”هناك سياسيون يجدون في حمل السلاح على الدولة والارتصاف مع أعداء بلادهم مناخًا صالحًا لهم، وهم في حقيقة الأمر خصوم مبيتون ضد أوطانهم، المثل واضح في تسويق بعض السياسيين العراقيين التوغل التركي في بلادهم, وعلى سبيل التشخيص أيضًا هناك سياسيون سوريون معارضون قد أمنوا أوضاعهم برواتب مجزية تدفعها لهم هذه الجهة أو تلك، واستقرت أسرهم في منتجعات ومدن آمنة خارج بلادهم.”
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
هناك سياسيون يخاصمون أوطانهم, ليست هذه خرافة، بل حقيقة شاخصة لا يحتاج من يريد اقتفاء أثرها إلا معاينة الميدان, وفي كل الأحوال لا أدعي تفويضا معينا لتشخيص ذلك، ولكن أرى أن بالإمكان الفرز بين سياسيين أدمنوا هذه الخاصية، وآخرين يجيدون الود للأوطان بقناعة الود الذي تلبس الحلاج للخالق، وإزاء هذا ماذا يبقى للسياسي من شرف وقيمة وشروط اعتزاز إذا كان يضع خصومة الوطن على رأس أولوياته.
إن الحقائق تعرف من جوهرها, وأزعم أنني مراقب متابع للشأن السياسي، ولي رؤيتي في الوظيفة السياسية, كيف تكون, وأي أعراف ينبغي أن تحكمها بوصفها ليس للسلطة وإنما للخدمة على وفق دعوة أرسطو, وهكذا أسمح لنفسي أن أقول إن هناك سياسيين كثرا يخاصمون أوطانهم بإمعان مع سبق الإصرار والترصد في استخدام وتصنيع الوجاهة لهم, يستعرضون مواهبهم وادعاء المفهومية وقصب السبق على الآخرين, هم يخاصمون أوطانهم بصيغة أو بأخرى إذا أخذنا بحقيقة (أن عدو الطاؤوس ريشه), وأن التواضع والإصغاء للآخرين والحرص على الشراكة هي في حقيقة الأمر عناوين لا غبار عليها في رعاية حقوق الوطن والدفاع عنه والاكتواء بهمومه, وحمل أنفسهم على إنجاز ما يعزز البناء الحضاري، والتفاني من أجل تلبية تطلعاته، وأشدد أيضا أن كل سياسي فاسد هو في حقيقة الأمر يطلق النار على وطنه؛ لأنه يرى في الوظيفة السياسية فرصة اغتنام إلى أقصى الحدود، وبذلك يقع تحت مظلة اللصوصية في سرقة المال العام والتسلح بالمحسوبية، والسعي إلى تبيض الأموال التي سرقها باستخدام نفوذه في هذا المكان أو ذاك.
هناك سياسيون يجدون في حمل السلاح على الدولة والارتصاف مع أعداء بلادهم مناخًا صالحًا لهم، وهم في حقيقة الأمر خصوم مبيتون ضد أوطانهم، المثل واضح في تسويق بعض السياسيين العراقيين التوغل التركي في بلادهم, وعلى سبيل التشخيص أيضًا هناك سياسيون سوريون معارضون قد أمنوا أوضاعهم برواتب مجزية تدفعها لهم هذه الجهة أو تلك، واستقرت أسرهم في منتجعات ومدن آمنة خارج بلادهم، يتنقلون بين فنادق فارهة ذات نجوم خمس ويتكارمون بربطات العنق والعطور، بينما يدفعون مجنديهم إلى معارك خاسرة؛ لأنهم لا يريدون أن يفقدوا هذا الجاه الذي وجدوا أنفسهم فيه, وبمعنى مضاف: إنهم يضعون أنفسهم قادة ورقيين لمعارك ضارية، في حين أنهم لو قبلوا مبدأ المصالحة بدون شروط مسبقة يخسرون ما يتلقونه من هبات ورعاية، ولذلك سيجدون أنفسهم تائهين لا تتوافر لديهم هذه الفرصة المالية، أليس هولاء يخاصمون سوريا الوطن والدولة والمستقبل؟
وأرى أيضا ـ ولكن مرة أخرى من الزاوية العراقية ـ أن هناك من يجاهر بالخصومة ضد وطنه عندما يحاول النيل منه حين ينتصر لهذا الفاسد أو ذاك لمجرد أنه ينتمي إلى الكتلة التي يتربع على منصتها، فهو يرفض الانصياع للحظة المكاشفة الموثقة، وهكذا أية خصومة سياسية للوطن (أكفأ) من ذلك، وهناك سياسيون يتراقصون على مسارح إقليمية ودولية لا تريد الخير لبلدانهم، بل نصبت نفوذها حاكمًا على هذه البلدان في نزعات استحواذية الهدف منها إبقاء الشعوب فيها على حافة الحياة.
إن هذا النوع من الخصومات أثقلنا كثيرًا في الوطن العربي وباتت بسببه بلدان تباع وتشترى في صفقات لا أول لها ولا آخر وفي مزادات تحركها رذيلة الطيش. من هنا لا يستقيم وضع أي بلد إذا لم تسقط تلك الشخصيات المزيفة، وبالتالي إذا لم تستبدل الخصومة بمبادئ التضحية لهذه الأوطان، إنه صراع لا بد منه ويظل هؤلاء خصماء للصدق والأمانة، ولكن كيف يمكن أن تزيح فرصتهم، إن ذلك هو من مسؤولية الرأي العام باستمرار المكاشفة.