[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
الدخول الأميركي على خط الأزمة اليمنية وتعميق جراح الدم والفقر والجوع والمرض والتشرد والفتن والحصار لدى الشعب اليمني، لا يشي فقط بأن الولايات المتحدة باتت مستعجلة لحصد نتائج الأزمة الحاصلة وجني أرباحها جراء المعادلة الميدانية القائمة "لا منتصر بين داعمي الشرعية ورافضي الشرعية المنتهية"، وإنما تتعجل حسابات المستقبل وتدارك نتائجها بخروج اليمن من القبضة الأميركية، لا سيما بعد أن باتت مؤشرات التقدم لدى جماعة أنصار الله وحزب المؤتمر الشعبي بقيادة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تشير إلى تطور الأدوات والوسائل والتكتيك لدى هذا الطرف وقدرته على إلحاق الوجع بالخصوم.
صحيح أن حادثة استهداف مجلس العزاء في صنعاء التي أقر التحالف العربي بارتكابها نتيجة "معلومات خاطئة" قلبت المعادلة داخل اليمن وخارجه، وأحرجت الولايات المتحدة وفضحت دورها المباشر وغير المباشر في العبث بالدم العربي في سوريا واليمن والعراق وليبيا وغيرها وهي التي تدَّعي "حماية الحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية وإرادة الشعوب وخياراتها"، إلا أن تطورات الأحداث بين الأفرقاء اليمنيين تؤكد عدم وجود أفق لنهاية الأزمة، وإمكانية توقفها عند حل سياسي يرضي جميع الأطراف نتيجة التمترس والولاءات الحاصلة في سياقات الأزمة، وباتت الأزمة مرشحة لاستنزاف الخصوم.
ولأن الأميركي معروف عنه أنه بهلوان يجيد الرقص على الحبال، ويجيد فن إخراج وفبركة المبررات والتهم مثلما يفعل مخرجو هوليود، ولأنه لا أحد ينافسه في التملص من المواثيق الدولية بطرق التفافية، وخرق القانون الدولي حين يجد نفسه قد حشر في الزاوية، كان لا بد من محاولة الرقص والعوم على أمواج البحر الأحمر وبالقرب من باب المندب لتصوير فيلم هوليودي يمكن أن يعرضه أمام المشاهدين في العالم وفي الأمم المتحدة، ليبني عليه طرق تنفيذ ما أخفاه في جعبته.
وعلى الرغم من أن الحرب سجال، وكل طرف يحاول أن يبذل ما في وسعه ليكسبها أو يوصل رسائل ضاغطة بأنه قادر على تغيير المعادلة لصالحه أو النيل من مصالح خصمه، فإن الإعلان الأميركي المتكرر عن استهداف جماعة أنصار الله لبوارج حربية أميركية مثل الإعلان عن استهداف جديد أمس الأحد للبارجة "ماسون" وهي ذاتها التي أعلن الأميركيون استهدافها الأسبوعين الماضيين، هو مثار شك كبير خاصة مع تشديد جماعة أنصار الله نفيهم لعملية الاستهداف، وكذلك لعدم وجود أدلة ملموسة كإصابات على جسم البارجة أو لقطات فيديو تظهر عملية الاستهداف، فالأميركيون بارعون في عملية فبركة الأدلة والتهم وإخراجها بصورة هوليودية، مثلما فعلوا أثناء التمهيد لغزو العراق، حيث لا تزال الذاكرة حبلى بتلك المسرحية التي كان بطلها كولن باول وزير الخارجية الأميركي في إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش "الصغير" وهو يعرض قرائنه التسجيلية المفبركة التي أقر بعدم صدقيتها فيما بعد، وبعد أن أسهم في إبادة ملايين العراقيين بين قتيل ومصاب ومشرد.
يبدو أن مَدافع السياسة والدبلوماسية الأميركية قد نفدت ذخيرتها لتلقيمها واستهداف خصومها في المنطقة (روسيا الاتحادية والجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية)، نتيجة التحول الميداني اللافت لصالح الخصوم، يقابله العجز والفشل الأميركيان، بل الانكشاف لدرجة الافتضاح بإفشال واشنطن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه مع موسكو ووقعت عليه، والهدف ـ كما هو معروف ومفضوح ـ الدفاع عن "جبهة النصرة" الإرهابية، والذي أحد بنود الاتفاق ينص على التزام واشنطن بفصل من تسميهم "معارضة معتدلة" عن ما يسمى تنظيم "جبهة النصرة"، والبدء في عمليات عسكرية روسية ـ أميركية مشتركة لاستهداف ذراعي تنظيم القاعدة الإرهابي "داعش والنصرة"، بما يسمح فيما بعد بالانتقال إلى الخطوات اللاحقة والمتمثلة في البحث في صورة العملية السياسية في سوريا. ولذلك وأمام نفاد قذائفها السياسية وعجزها عن مواصلة التفاوض عبر السياسة والدبلوماسية، لم تجد واشنطن وسيلة سوى التفاوض بالنار باستهداف مناطق يمنية قالت إنها قصفت فيها منصات رادارات ردًّا على ما قالت إنه لحماية جنودها وتأمين الملاحة، والتلويح باستهداف مطارات وقواعد عسكرية سورية وقيادات سياسية وعسكرية سورية بذريعة تحميل موسكو فشل الاتفاق، وتهديد الجيش العربي السوري لمن تصفهم واشنطن بـ "المعتدلين" الذين تبين أنهم إرهابيو ما تسمى "جبهة النصرة".
والتفاوض الأميركي بالنار هذا، جاء إثر تطورين مهمين:
الأول: دعوة الولايات المتحدة لاجتماع يبحث أزمات المنطقة ومنها الأزمة السورية في لوزان، وقد استبق الرئيس الأميركي باراك أوباما الاجتماع باجتماع عقده مع مستشاريه في مجلس الأمن القومي يوم الجمعة الماضية، حيث سُرِّب عمدًا ما سيناقشه الاجتماع كبحث شن عدوان عسكري مباشر على سوريا، وتزويد العصابات الإرهابية بأسلحة نوعية وتحديدًا صواريخ مضادة للطيران.
الثاني: دعوة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح روسيا الاتحادية إلى التدخل وإنقاذ اليمن واليمنيين من الدمار والقتل بعد حادثة استهداف مجلس العزاء في صنعاء.
وبشيء من التفصيل والتفسير حيال ذلك، نجد أن دخول الولايات المتحدة على خط الأزمة اليمنية واستخدامها الوسائل الخشنة، والتلويح بها ضد سوريا، هو من أجل قطع الطريق على روسيا من التدخل المباشر في الأزمة اليمنية، ولممارسة الابتزاز والضغط على كل من موسكو ودمشق وطهران لتقديم تنازلات مؤلمة لصالح الإرهاب في اجتماع لوزان وتحديدًا في مدينة حلب، فضلًا عن أن الاجتماع ذاته أرادت واشنطن من ورائه شراء الوقت واستثماره وتبريد التسخين العسكري الروسي الذي جاء تحسبًا للنيات الأميركية الخبيثة. على أن الإسناد السياسي البريطاني للكاوبوي الأميركي بتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي لما قيل إنه من أجل إيجاد حل سياسي للأزمة اليمنية، هو من الخبث بمكان، حيث يبدو أن الهدف الطافي على السطح هو محاولة انقاذ الشعب اليمني من ويلات هذه الحرب، بينما الهدف المجمع عليه غربيًّا هو استنزاف روسيا وإيران وسوريا في الميدان السوري.

[email protected]