”.. إن ما يثير الشكوك في طبيعة هذه الهجمة التشويهية هو الحملة العجيبة التي تقودها وسائل إعلامية رئيسة بحثًا عن كل امرأة مستعدة أن تعرض نفسها على شاشات التلفاز بوصفها من ضحايا تحرش ترامب الجنسي. إنها لحال غريبة بحق: فقد ظهرت نساء كبيرات السن تحاملن على أنفسهن للادعاء بأنه قد تحرش بهن جنسيًّا أثناء ثمانينات القرن الماضي، برغم شيباتهن!”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

يجد المرء صعوبة بالغة في فهم وإدراك دوافع وأهداف الحملة الإعلامية الشعواء المضادة للمرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب Donald Trump، إذ لم يحدث مثل هذا النوع من الانحياز الإعلامي "المصطنع" و"المفبرك" ضد أحد المرشحين الرئيسيين لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة منذ بداية وعينا ومتابعتنا للسباق الرئاسي حتى الآن. هي ظاهرة جديدة في تاريخ التنافس من أجل مؤسسة الرئاسة الأميركية، بكل تأكيد، نظرًا لأن المرء لا يمكن إلا أن يشعر بثمة قوى متنفذة خفية تعمل جاهدة اللحظة لتحطيم آمال ترامب بالبيت الأبيض: فما هي هذه القوى؟ وهل هيلاري كلينتون أفضل من ترامب بالفعل؟
للمرء أن يلاحظ بأن قوام التصعيد الذي يتدبره الإعلام الأميركي على قدم وساق ضد ترامب قد اتخذ أشكالًا متنوعة، منها: (1) اعتماد الادعاء بأن ترامب مضاد للأقليات الملونة واللاتينية والإسلامية. وإذا كان ترامب قد تمكن من الإجابة على هذه التهم وتجنب لكماتها، فإنه قد ترك المجال مفتوحًا لمهاجمته عن طريق نقطة ضعف أخرى، أكثر أهمية وفاعلية في تشويه سمعته وتعبئة عواطف الكراهية ضده، وهي: (2) اعتماد الادعاء بأنه يحتقر المرأة عن طريق التعامل معها على نحو حسي دوني، وحيد الجانب، الأمر الذي يلقي الشك على إمكانية حصده نصف أصوات الناخبين باعتبار أن هذا النصف هو من حصة النسوة. وإذا ما كانت هذه نقطة ضعف كبيرة وقابلة للتوسيع والمزيد من الاستثمار، فإن ترامب لم يفعل ما فيه الكفاية لسد هذه الثغرة، باستثناء الادعاء بأنه يحترم المرأة ولا يسيء إليها قط. وإذا كان دفاعه هذا غير كافٍ ولا مجدٍ لإقناع الكثيرين، راح الإعلام (خاصة صحيفة نيويورك تايمز) يبحث بمثابرة عن كل ما يساعد على وضع ترامب في زاوية حرجة، كما فعل قبل مدة قصيرة عندما نشر تسجيل الفيديو الذي يعود إلى سنة 2005 والذي يصف فيه ترامب مغامرة جنسية لصديق له مع امرأة متزوجة. وهكذا فتح الإعلام باب الجحيم على ترامب.
والحق أقول، فإن ما يثير الشكوك في طبيعة هذه الهجمة التشويهية هو الحملة العجيبة التي تقودها وسائل إعلامية رئيسة بحثًا عن كل امرأة مستعدة أن تعرض نفسها على شاشات التلفاز بوصفها من ضحايا تحرش ترامب الجنسي. إنها لحال غريبة بحق: فقد ظهرت نساء كبيرات السن تحاملن على أنفسهن للادعاء بأنه قد تحرش بهن جنسيًّا أثناء ثمانينيات القرن الماضي، برغم شيباتهن! كما ظهرت ملكة جمال ولاية أريزونا سابقًا للادعاء بأن ترامب قد دخل غرفة متسابقات ملكات الجمال الخاصة باستبدال ملابسهن دون استئذان، وكأنهن غاية في المحافظة!
الموضوع مثير للريبة بحق، نظرًا لاستمراء العديد من النساء عرض أنفسهن بهذه الطريقة المعيبة عبر الآنية الإعلامية، ربما بهدف الادعاء بأنهن كن أهدافًا جنسية بسبب حسنهن (آنذاك)، أو ربما جاء ذلك مع ما يبرره من المال، كي تقول صاحبة الادعاء: ولم لا، مقابل مبلغ مناسب ولا حرج في ذلك.