إن المنافسة بدون ضوابط وأخلاقيات تضامن نسبية لم تعد تصلح لمعالجة أوضاع العلاقات الاقتصادية السائدة الآن في الساحة الدولية، مع ملاحظة أن الدول الأكثر تقدما من الناحية الاقتصادية هي أيضا بحاجة إلى الدول الأقل تنمية في إطار شراكة تقوم على تقاسم المصالح الاقتصادية...

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

قد تكون المصادفة وحدها التي جعلت من ثلاثة مؤتمرات ذات صيغة اقتصادية تعقد بمواعيد متباعدة بالأيام فحسب, أعني بذلك قمة دول العشرين التي عقدت في الصين, ثم مؤتمر اسطنبول للطاقة الذي عقد بمشاركة 85 دولة, وأخيرا قمة دول البريكس في جوا بالهند. أقول قد تكون المصادفة وحدها هي التي غطت انعقاد هذه المؤتمرات بالتوقيتات المشار إليها, ولكن في كل الأحوال هي مصادفة مرسومة على أساس الحاجة المشتركة التي حركت توجه المؤتمرات المذكورة, إذا أخذنا بعين القراءة البيانات الختامية للأنشطة الثلاثة التي نصت بوضوح تام على الحاجة إلى التنسيق الاقتصادي (والتدفق غير المكبوح والمهارات البشرية والتقنيات عبر الحدود من أجل التركيز على التطوير الكمي والنوعي) بأهداف ذات مجالات قصيرة المدى وطويلة المدى.
إن حكم الحاجة بانعقاد هذه المؤتمرات يكشف بالدليل القاطع على أن هناك إدراكًا عالميًّا واسعًا أن عصر المنافسة المفتوحة لا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يكون القاسم المشترك للتوجهات الاقتصادية والتجارية الحاليةعموما, وبمعنى مضاف أن التنسيق والتكاتف أصبحا ضرورة لا بد منها لعدد من الأسباب التي أراها جوهرية.
إن المنافسة بدون ضوابط وأخلاقيات تضامن نسبية لم تعد تصلح لمعالجة أوضاع العلاقات الاقتصادية السائدة الآن في الساحة الدولية، مع ملاحظة أن الدول الأكثر تقدما من الناحية الاقتصادية هي أيضا بحاجة إلى الدول الأقل تنمية في إطار شراكة تقوم على تقاسم المصالح الاقتصادية، وهذا ما نستطيع أن نجده في مراجعة الصين للعديد من علاقاتها التجارية على أساس التفاهم مع الدول الأخرى التي تنافسها بعد (الوعكات) الاقتصادية الأخيرة التي تعرضت لها, كما نستطيع أن نجد مراجعة أميركية مشابهة في تعاطيها التجاري مع الصين بل مع دول الاتحاد الأوروبي، والحال أيضا ينطبق على اليابان وألمانيا وفرنسا بعد العثرة التي تعرض لها الاتحاد الأوروبي والمتمثلة بانسحاب بريطانيا منه.
السبب الثاني أن الطبيعة لم تعد سخية كما كانت، وذلك نتيجة التغيرات المناخية القاسية المتجسدة بارتفاع درجات الحرارة، وهذا بحد ذاته ما دفع 155 دولة في مؤتمر المناخ الذي عقد في باريس إلى الاتفاق على آلية مشتركة لخفض الانبعاث الحراري، والانصياع إلى تحذيرات الخبراء في هذا الشأن بعد أن كانت بعض الدول تتسلح بالتحدي رافضة شروط هؤلاء الخبراء بضرورة ذلك الانصياع.
السبب الثالث أن الأوضاع السياسية والأمنية في العالم لم تعد تحتمل ذلك الجموح المغلق على تحقيق مصالح معينة بعيدا عن الإصغاء لرأي الآخر، وتوفير حد معين من التفاهم المشترك، وهذا في حد ذاته كان المحرك لانعقاد اجتماع لوزان الذي ضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا إلى جانب مجموعة من دول الشرق الأوسط بشأن الأزمة السورية, فبرغم أن المشاركين في المؤتمر لم يتفقوا على وحدة موقف للحل السياسي إلا أنهم اتفقوا على أن السوريين هم الذين يقررون وحدهم مصير بلادهم, وهذا انتصار لمفهوم النظرة الواقعية التي غابت عن الحضور نتيجة السياسة الأميركية الخاطئة ضد سوريا، وهي سياسة ممولة إقليميا بأهداف غير مقبولة قطعا.
السبب الرابع أن الدول التي ركبت جموح التقدم وكونت لها مجالات نفوذ عبر القارات لم تعد تستطع الآن الحفاظ على ذلك النفوذ بالوسائل القديمة التي اعتمدتها, وهي تشعر في الوقت الحاضر أنها بحاجة إلى وسائل جديدة يحكمها التضامن، ولذلك وفي مناخ هذه الأسباب الأربعة أرى أن هناك احتمالًا قويًّا أن يتم التناغم بين دول البريكس ومجموعة العشرين، وكذلك بين الدول المنتجة للطاقة الأحفورية والدول المستهلكة لها من أجل رسم خريطة طريق لنشاطات اقتصادية وتجارية تضع العدالة على طاولة اهتمامها، الأمر الذي من شأنه أن يكون قوة دفع لنمو الاقتصاد العالمي المتواضع جدًّا حاليًّا بشهادة كريستين لاجارد رئيسة صندوق النقد الدولي.