تحسن خليجي في معالجة آثار انخفاض أسعار البترول بتنويع الموارد والخطط المالية المبتكرة

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/04/ayman-hussien.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أيمن حسين
مراسل الوطن[/author]

مقدمة:
تمر المنطقة العربية بأزمة اقتصادية تسبب فيها انخفاض أسعار النفط وحالة الركود في التجارة العالمية، وتأثر قطاعات مثل السياحة والاستثمار بالظروف الأمنية في المنطقة مما تسبب في تأثر موازنات غالبية الدول العربية خاصة دول مجلس التعاون الخليجى وسجلت عجزا لم تسجله منذ حقب زمنية تعود للقرن الماضى.


عروبة الأزمة:
تحاول كثير من الاقتصاديات العربية خاصة الخليجية في هذه الفترة الفارقة تنويع مواردها وعدم الاعتماد فقط على إيرادات النفط الخام والغاز بشكل مباشر وغير مباشر، لكن هذا التحول يحتاج لوقت وخطط توضع قيد التنفيذ الفعلي لتنعكس ايجابيا نحو صياغة موارد غير تقليدية، فهناك العديد من البلدان العربية لا تزال تعتمد على إيرادات النفط منذ عقود طويلة لتمويل إنفاقها الحكومي وطفقت حاليا تسعى لتوظيف أدوات حفز الأنشطة لدى القطاعات غير النفطية.
ولعل اقتصاديات البلدان غير المنضوية في منظمة أوبك قد اعتمدت على إيرادات نفطية إلى حد ما لفترات طويلة ومن هذه البلدان مصر وسوريا واليمن والسودان بالإضافة إلى حصولها هي والبلدان العربية المستوردة الصافية على دعم كبير من الدول العربية المنتجة للنفط ومن تحويلات العاملين في تلك الدول؛ ولكن في الفترة الراهنة تغيرت قواعد الاقتصاد العالمي جذريا وانعكس ذلك على الصعيد العربي فظهرت خطط لإحياء قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والتصدير وتحصيل إيرادات غير بترولية لتعضيد الإمكانيات المالية لبلدان المنطقة.


تحديات ضخمة:
يبدو أن هيكل تمويل الأعمال الاقتصادية والتجارية العربية في طريقه للتغير ليضع النفط في مرتبة عادية وليست استراتيجية بالنسبة للإيرادات بسبب تراجع أسعاره بشدة مما أثار القلق لدى مختلف الإدارات الاقتصادية في بلدان عربية عديدة حتى أن المؤشرات الدولية تبين أن تراجع أسعار البترول ربما يؤدى إلى انخفاض إيرادات البلدان العربية المنتجة للنفط هذا العام بنسبة لا تقل عن 60 في المائة مقارنة بمستويات أسعار أعوام ازدهار البترول.
ولا شك في أن هذه تحديات تتطلب جهودا عربيا مضنية وإبداعات في صياغة سياسات اقتصادية متنوعة خاصة أن الحياة المالية العربية بعد عقود طويلة من الاعتماد على النفط في الإنفاق العام باتت رهينة اقتصاد ريعي ببلدان كثيرة بالمنطقة مما يعني أن الواقع الإداري لمواجهة انخفاض أسعار البترول وتراجع الإيرادات العربية والخليجية يستلزم سياسات مبتكرة لتنويع الدخول وتوظيف إمكانيات القطاع الخاص مع تطوير الإدارات الحكومية وتبني برامج تصحيح هيكلي.


تباين عربى:
دول مجلس التعاون الخليجي التي تميزت طويلا بإيرادات نفطية مرتفعة على مدى عقد من الزمن أصبحت تواجه استحقاقات الترشيد ومراجعة الدعم أو ترشيده بما يؤكد أهمية تبني سياسات إصلاحية حقيقية ترتقي باقتصاديات المنطقة وتجعلها أكثر قدرة على مواجهة الصدمات وأهمها صدمة تراجع إيرادات البترول .
أما البلدان العربية الأخرى فإن أوضاعها تثير القلق الشديد فهي لا تملك الإمكانات المالية التي تملكها بلدان الخليج التي تمكنت من تكوين صناديق سيادية واحتياطيات تدعمها كثيرا إذا ما استمرت أسعار البترول متدنية فالبلدان العربية غير النفطية تواجه معضلات صعبة منذ بداية ما عرف بأحداث ما سمي (الربيع العربي) في عام 2011 وحتى الآن. ويتطلب انتشال هذه الدول من عثراتها الصعود بإنتاجية قطاعاتغير تقليدية كالصناعات التحويلية والتعدينية ورفع معدلات الزراعة والعمران وتشغيل الباحثين عن العمل وزيادة إيرادات السياحة ورفع إيرادات النقد الأجنبي مع استتباب الأمن لحفز المستثمرين على الإنفاق الرأسمالي. لكن ثمة شوط طويل قبل أن تتمكن حكومات معظم هذه الدول من مواجهة كل هذه التحديات الضخمة.
ولعل اليمن وليبيا وسوريا تعاني ويلات الانقسام وتفاقم الصراع المسلح وضعف الإدارة الحكومية ولن تتمكن من تحسين اقتصادياتها دون التوصل إلى معالجات سياسية ترضي الأطراف المتصارعة للتفرغ لإعادة الأعمار وبناء الاقتصاد من جديد وإعادة النازحين واللاجئين الذين يقدروا بالملايين. فيما يواجه العراق عجزا كبيرا في الموازنة بعد تفاقم الصراعات المسلحة والسياسية هناك وتكاليفها في وقت تتراجع فيه مخصصات المشاريع التنموية وأعمال تطوير المرافق. أما الجزائر فتواجه تدني أسعار البترول والغاز دون بدائل اقتصادية مطروحة وهو ما يشكل ضغط كبير على الإنفاق علي كافة أنماط وقطاعات الدولة.


رؤى وخطط:
يؤكد المحلل الاقتصادي حسنى أحمد ضرورة توجه الدول العربية نحو شراكات وتكامل إقليمي بالمنطقة بالتزامن مع إيجاد حلول مناسبة للصراعات التي تعانى منها أقطار عربية عديدة ومن ثم يمكن بناء الاقتصاديات والتنمية على أسس السلام والأمن بعد فرضهما. ودعا حسنى أحمد إلي إيجاد تكامل عربي على غرار الاتحاد الاوروبى فربما يصلح التعاون الاقتصادي ما فشلت فيه السياسات موضحا أنه يجب الاستفادة من الموارد العربية بتنسيق التعاون واستثمار الكوادر البشرية في البلدان الأكثر كثافة سكانية وتشغيلها في مجالات الزراعة والتجارة والصناعة بالدول التي تتوافر فيها الاراضى والمواد الخام وبرؤوس أموال المليارديرات العرب ورجال الأعمال بالمنطقة. وشدد على ضرورة امتداد خطط التنمية في ربوع الوطن العربي بسياسات تعاون حكومية وخاصة بين بلدان المنطقة يلمس ثمارها شعوبها ومن ثم يتحقق الرخاء الاقتصادي المطلوب بالتزامن مع قطع خطوات دبلوماسية لإحلال السلام ببلدان القلاقل والحروب السياسية حتى تنضم هي الأخرى لقافلة التكامل التنموي وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة المنشودة عربيا وإعادة أعمار الدول التي دمرتها الصراعات وعصفت بها مواجهات حربية.
ومن جانبه يرى الخبير حسن عبد الله أن معظم المنطقة العربية تحتاج بشكل ملموس إلى الإصلاح الاقتصادي ووضع سياسات مالية تتضمن تغليب الجانب الاجتماعي ومراعاة الفقراء ومحدودي الدخل لأن هذه الطبقات تخرج منها كوادر بشرية قادرة على إحداث النهضة الحقيقية المنشودة. كما شدد على أن دول ما يسمى بالربيع العربي تحاول بكل قوتها الخروج من التجاذبات السياسية التي تؤرقها وإنهاء الصراعات التي تكتنف بعضها كي تستفيق وترسم خطوات التنمية والنمو الاقتصادي. وحذر الخبير حسن عبد الله من تفاقم الأوضاع المأساوية للطبقات الفقيرة والمحرومة بالمنطقة وسط طوفان المهاجرين والنازحين الذين يحاولون النجاة من براثن أوضاع اقتصادية سيئة تحيط بمناطق وبلدان تواجدهم ولو كان عن طريق الهجرة غير المشروعة التي تسفر غالبا عن وقوع الكثير من الضحايا.
بينما يرى المحلل الاقتصادي سيد عبد الحميد ضرورة إيجاد نهاية للصراعات بالشرق الأوسط والمنطقة العربية مؤكدا أن حالة عدم الاستقرار وتفشي الفساد في العديد من الدول العربية لا تتيح جميعها جذب الاستثمارات أو السياحة بل تعد عوامل طاردة لرؤوس الأموال والعلماء والمفكرين الذين لا يجدون فرص وسط كم الصراعات الساخنة والتعامل بلغة المصالح الشخصية الضيقة. وشدد على أهمية تطوير القطاعات والهيئات الحكومية العربية وتنقيتها بعضها من أشكال الفساد والرشي إن وجدت والصعود بالصناعات وتحديثها وربط جسور التنمية بالإمكانيات بين البلدان العربية بإحداث تواصل اقتصادي تجارى وتفعيل بروتوكولات التعاون المشترك لصالح الشعوب النامية والطبقات التي تعيش تحت خط الفقر.


تحسن خليجى:
وربط التقرير الصادر عن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي بين التحسن المتوقع وبين تنفيذ الدول الأعضاء لسياسات التصحيح المالي وماتبع ذلك من تحسن ثقة واستثمارات قطاع الأعمال، ورجح تقرير للمركز أن ترتفع أسعار المستهلكين بشكل طفيف نظرا لإجراءات رفع الدعم الحكومي عن المشتقات النفطية وارتفاع أسعار الفائدة بالبنوك المحلية في الخليج.
وتوقع التقرير نمو الناتج المحلي الإجمالي بالخليج بالأسعار الثابتة بمعدل اثنين في المائة في عام 2016 وتنبأ بأن يأخذ القطاع غير النفطي دور القيادة في النمو الاقتصادي بنمو هذا القطاع بمعدل 5.3 في المائة و9.3 في المائة في عامي 2016 و2017 على التوالي. فيما ستقود قطاعات البناء والتشييد والنقل والتخزين والمواصلات النمو الاقتصادي لمجلس التعاون في عامي 2016 و2017. وتطرق التقرير كذلك إلى التضخم في أسعار المستهلكين الخليجيين مرجحا بلوغه 6.2 في المائةعام 2016 و8.2 في المائةعام 2017 .


الخلاصة:
يبدو ان الدول الخليجية استوعبت الدرس وحاولت تنويع مصادر دخلها، حيث أشادت عدة دارسات بقطع بلدان الخليج أشواط كبيرة نحو تنفيذ سياسات واعية في ظل الأوضاع الاقتصادية الجديدة والمتغيرة بمختلف أسواق النفط والمواد الخام والسلع والخدمات، هذا بجانب تلائم الخطط الاقتصادية الخليجية مع انعكاسات التطورات الجيو سياسية على قطاعات الموارد والنفقات ومجمل الميزانيات العامة والموازين التجارية وتوقع تقرير آخر أن تشهد اقتصاديات دول الخليج تحسنا جيدا خلال العام المقبل وارتفاع معدلات النمو إلى 4,3%.