حقق الفلسطينيون نصرًا دبلوماسيًّا كبيرًا عندما تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، قرارًا حول القدس المحتلة يؤكد الأحقية الفلسطينية بكافة التراث الموجود بالمدينة المحتلة بما فيها الحرم القدسي الشريف، فهو قرار يحمل في طياته تذكيرًا للعالم أجمع أن "إسرائيل" قوة محتلة للقدس، ولا يوجد لها مكان في تاريخ المدينة العريقة، برغم ما تسعى إلى فرضه عبر الإرهاب والقمع والانتهاكات، وعبر عمليات تنقيب تسعى إلى تزييف التاريخ، ويؤثر بشكل إجرامي متعمد على المواقع الأثرية المقدسة في المدينة.

ولعل هذا يوضح الرفض الإسرائيلي للقرار والزعم بأن اليونيسكو ليست المكان المناسب لحل المشاكل بين الدول والشعوب، وهي مزاعم إسرائيلية تؤكد عدم احترام الكيان الغاصب لأي من القوانين الدولية، وذلك تحت حماية غربية خصوصًا من الولايات المتحدة الأميركية، التي يعول عليها المحتلون الإسرائيليون كثيرًا في وقف القرارات الدولية النافذة في مجلس الأمن الدولي، مثل مشروع القرار الذي تسعى دولة فلسطين لاستصداره، بهدف وقف سرطان الاستيطان في كل من الضفة والقدس المحتلتين، حيث سيضع الرئيس الفلسطيني القرار على طاولة مجلس الأمن قريبًا.

وهو قرار سيشعل غضب الداعمين لكيان الاحتلال، بجانب استخدام حق النقض (الفيتو) ضده من قبل واشنطن، لا سيما وأن الولايات المتحدة أسقطت بـ(الفيتو) مشروع قرار مماثل قدمه الفلسطينيون في عام 2011، وهو موقف يوضح أن كيان الاحتلال وداعميه لا يريدون التوصل لسلام عادل وشامل، حيث إن سرطان الاحتلال الإسرائيلي هو المعيق الأول لإقامة دولة فلسطينية، حيث يسعى كيان الاحتلال عبر سياسة استيطانية شيطانية إلى تقسيم المناطق الفلسطينية إلى دول صغيرة تحيطها المستوطنات، وهو ما سيمنعه القرار الجديد في حال إصداره، لأن وقف النشاطات الاستيطانية غير المعترف بها دوليًّا من كيان الاحتلال وحلفائه، سيحمي المشروع الوطني الفلسطيني، وسيعطي للفلسطينيين الحق الإنساني في حياة حقيقية على أرضهم، دون معاناة.

إن هذا التلاعب بالقوانين الدولية الذي تقوم به واشنطن عبر (الفيتو) يكشفت مواطن العجز في عمل هذه المنظمة الأممية المعنية بالأمن والاستقرار والسلم العالمي، كما كشف عدم قدرتها على وقف كل ما يعيق تحقيق السلام الشامل وأهمها ممارسات كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وسرقة أراضيهم، وسعيه لتشريع هذا الاستيطان البغيض وسط حماية أميركية؛ لذا فمن الطبيعي أن يأخذ حل الدولتين في الابتعاد، بعدما فرض الكيان الغاصب وحليفته واشنطن حالة انعدام الحل، التي أدت إلى منع الحرية عن الفلسطينيين، وتمادي كيان الاحتلال في البناء الاستيطاني غير القانوني وغير المعترف به دوليًّا، والاستمرار في العدوان على شعب أعزل، تعجز الأمم المتحدة ومجلس أمنها عن توفير الحماية له.

فالعجر الدولي بسبب رفض كيان الاحتلال الإسرائيلي للانصياع للقانون الدولي، لأنها دولة محمية من أكبر القوى في الأرض، ولحين إصلاح المنظومة الأممية التي وضعت في يد شرذمة من الدول حق التصرف بشكل غير أخلاقي يتعارض مع قيم الأمم المتحدة وأهدافها، وتبتعد بكثير عن الغايات الإنسانية، سيظل الفلسطينيون مستمرين في معاناتهم بسبب هذا الاحتلال، وبسبب عدم اتخاذ موقف حاسم يلزم كيان الاحتلال الإسرائيلي باحترام القرارات والقوانين الدولية، ويشرع بإنهاء احتلاله للأرض الفلسطينية، ويحترم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة. ولعل النجاح في اليونيسكو برغم دلالاته العديدة، إلا أنه يحمل رسالة بالغة المضمون، تؤكد أن الخلل في الأمم المتحدة ومجلس أمنها هو ما يجب مكافحته من قبل شعوب العالم، قبل وضع المزيد من الإصلاحات، فإصلاح المنظومة الأممية في حد ذاته هو بداية حل القضية الفلسطينية، وكل قضايا الضعفاء حول العالم.