[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” يجري نقل المعتقل إلى زنزانة انفرادية, حتى لا يتصل المعتقل بزملائه المسجونين.. تتكرر حفلات التعذيب في الأيام التالية, وتستمر طوال فترة التحقيق. تظل أحيانا آثار قليلة للتعذيب على جسد المعتقل حين نقله للسجن, حتى هذه لا يسمحون للطبيب(هذا هو اسمه الحركي بالطبع) لأنه في زمننا كانوا يدعون الممرض طبيبا! وصدقوني أن معلوماته في الطب كانت مثل إتقان جدة جدتي المتوفية منذ قرنين للغة الصينية,”

بداية, لا بد من الإشادة بالصحفي برهوم جرايسي ,ابن المنطقة الفلسطينية المحتلة عام 1948 على تقاريره اليومية المهمة, التي يكشف فيها حقيقة فاشية الكيان الصهيوني من جهة, ومن جهة أخرى يعكس صمود شعبنا في كل فلسطين المحتلة, سواء عام 1948 وعام 1967. في آخر تقرير له يوم الخميس 20 أكتوبر/ الحالي 2016, ينقل جرايسي محتوى تقرير جديد لـ «اللجنة الإسرائيلية لمكافحة التعذيب في السجون», جاء فيه ,إن سجون الاحتلال ترفض طلبات أسرى فلسطينيين بلقاء اطباء,بعد تعرضهم للتعذيب الوحشي ,على أيدي محققي جهاز المخابرات العامة «الشاباك». وتقول المعطيات التي جمعتها لجنة مكافحة التعذيب, التي مثلت عددا من الأسرى والمعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب أثناء التحقيق معهم, إن سلطة سجون الاحتلال رفضت في هذا العام طلبات كثيرة لأسرى ,قدموا شكاوى وطلبوا أن يقوم الطبيب بفحصهم, تماما كعادتها في كل السنوات السابقة.

من ناحيتها, قالت المحامية أفرات برغمان سبير من لجنة مكافحة التعذيب, إنه «منذ العام 2001 تم تقديم أكثر من ألف شكوى حول التعذيب في الشاباك. وحتى الآن لا يوجد حتى ولا تحقيق جنائي واحد»,وأضافت أن «الحاجة الى الاستشارة الطبية النفسية هي قبل كل شيء جزء من الحق الدستوري لمقدم الشكوى من اجل إنصافه. وهذه الحالة تتضح أكثر في الشكاوى ضد التعذيب, حيث لا توجد أدلة. ولا يتم توثيق التحقيق. وفي أحيان كثيرة تكون كلمة مقدم الشكوى مقابل كلمة المحقق في الشاباك». أيضا, قال نادي الأسير الفلسطيني أمس, إن الأسيرين المضربين عن الطعام, منذ 27 يوما (حتى كتابة هذه السطور) وهما:أحمد أبو فارة, وأنس شديد, يعانيان من تدهور في أوضاعهما الصحية, مشيرا إلى أنهما محتجزان في ظروف عزل صعبة. وأوضح محامي نادي الأسير, عقب زيارته لهما في «عيادة سجن الرملة»,أن سجّاني الاحتلال يعزلونهما في غرفتين منفصلتين, تفتقران لأي من الأدوات الكهربائية ووسائل الاتصال بالعالم الخارجي, كالراديو والتلفزيون, كما أن إدارة السّجن رفضت تزويدهما بأقلام وأوراق لكتابة شكاوى أو ملاحظات أو رسائل لعائلتيهما.

وأضاف المحامي أن الأسيرين مضربان عن تناول الطعام منذ 25 أيلول الماضي, ويعتمدان في إضرابهما على تناول الماء فقط.
في ذات السياق, قال نادي الأسير الفلسطيني ,إن الأسير سمير أبو نعمة من سكان مدينة القدس المحتلة,دخل عامه الـ 31 في سجون الاحتلال الصهيوني. والأسير أبو نعمة هو أحد الأسرى القدامى الذين جرى اعتقالهم قبل توقيع اتفاق «أوسلو» الكارثية,ورفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنهم, وعددهم 29 أسيرا,وذلك ضمن الدفعة الرابعة التي كان من المفترض أن تُنفذ في آذار العام 2014, في إطار المفاوضات.

ما ذكرناه هو غيض من فيض الإجرام الوحشي الصهيوني تجاه أسرانا.الموضوع بالطبع تناولتُه مرارا على صفحات العزيزة «الوطن». في السجن الذي جرّبته مدّة عامين,قبل إبعادي, يتمثل الصراع بين إرادتين, إرادة الجلّاد السجان والمحققين اللذين يمتلكون كل أدوات التعذيب ومحاولاتهم إذلال المعتقل, وبين إرادة هذا المعتقل, المقيدة يديه خلف ظهره, كما قدميه, والعصبة تغطي عينيه بعد أن يرى منظر الغرفة والمتواجدين فيها, اثنان أو ثلاثة من الجلادين يحيطونه (وغالبا ما يكونون من ذوي العضلات المفتولة).هذا وسط أجواء رعب يبثها جهاز تسجيل في غرفة التحقيق. على الجدران وفي السقف معلقة كل وسائل التعذيب والشبح الآلية, والكهربائية وغيرها. يصدرالمحقق الأول أمر التعذيب,فيتاول الضاربون المعتقل, يتقاذفونه مثل كرة. وبعد حفلة تعذيب تستمر حوالي نصف ساعة. يأتي المحقق الثاني معتمدا أسلوب الترغيب. يبدأ في شرح مزايا اعتراف المعتقل للمحققين عن قضيته وعن أسماء زملائه, وبأن هذا سيبقى سرّا! يرفض المعتقل طبعا, مرددا أن ليس له معرفة بشيْ! ثم يبدأ الشتم البذيء, وتبدأ حفلة تعذيب جديدة أقسى من الأولى.. إلى أن يُنهكَ المحققون وليس المعتقل, الذي تكون الدماء قد نزفت من معظم أجزاء جسمه المدموغ بطبع زرقاء,أو كسور..الخ.

أكتب المشهد السابق لا متخيّلا , بل أخطّ وضعا حقيقيا مررتُ به في ليالي اعتقالي في منتصف آذار/مارس عام 1969في مركز تحقيق مدينة قلقيلية, ومن ثم في نظيره في نابلس, وبعد ستة أشهر في مركز تحقيق طولكرم. للعلم يمر عشرات بل مئات الآراف من المعتقلين بهذه الظروف بل وأقسى منها, بحكم تطور وسائل القمع الصهيونية. أكتب وكأني في هذه اللحظات أعيش نفس الظروف, فيقشعر بدني. يجري نقل المعتقل إلى زنزانة انفرادية, حتى لا يتصل المعتقل بزملائه المسجونين.. تتكرر حفلات التعذيب في الأيام التالية, وتستمر طوال فترة التحقيق. تظل أحيانا آثار قليلة للتعذيب على جسد المعتقل حين نقله للسجن, حتى هذه لا يسمحون للطبيب(هذا هو اسمه الحركي بالطبع) لأنه في زمننا كانوا يدعون الممرض طبيبا! وصدقوني أن معلوماته في الطب كانت مثل إتقان جدة جدتي المتوفية منذ قرنين للغة الصينية, باختصار هذا هو عدونا الصهيوني, فأي سلام يمكن صنعه مع هذا العدو المتفرد في توحشه وعشقه للدم.

في إحدى المرّات في سحن طولكرم, ونظرا لامتلاء الزنازين الانفرادية بالمعتقلين, أخطأ الجلادون بإحضار معتقل من مدينتي اسمه الأول حسين, بعد حفلة تعذيب قاسية مرّ بها, إلى الغرفة. لم تكن آثار التعذيب بادية على ما هو مكشوف من جسده. للصدفة جاء وفد من الصليب الأحمر لزيارة السجن. انتظمنا في صفوف. سأل المندوب الدولي عن المعتقلين الجدد؟ تقدم حسين. سأله إن كان قد عُذّب؟ فوجئنا بحسين يخلع بنطاله ويزيح اللباس الداخلي عن قفاه. كان لونه أحمر وأزرق داكنا ممتدا على كل مساحته. صاح المندوب الدولي متفاجأ وخرج. بعد دقائق, أخذوا حسين إلى زنزانة انفرادية بعد أن أخرجوا ساكنها إلى السجن. أضربنا عن الطعام مطالبين بخروج كل من في الزنازين. أخرجهم مدير السجن النمساوي إلى الغرف بعد يومين. عاد حسين إلى غرفتنا. كنا نتندر عليه بأن خبر تعذيبه ومكانه سيصل حتما إلى الأمم المتحدة. نعم لن ينتصر الصهاينة على أسرانا, ففلسطين لنا. لذلك ندافع عن حق لنا. أما هم فطارؤون وعابرون,لا يشعرون بأي انتماء لدولتهم. إرادة أسرانا هي الأقوى.أعرفتم؟.