[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” .. نجم عن أزمة السويس تصورٌ خطيرٌ لدى الشعوب العربية وقادتها ونخبها السياسية والإعلامية، مفاده بأن موقف الولايات المتحدة المناوئ للعدوان الثلاثي مبني على نظرة أميركية متصالحة وصديقة نحو العرب، وعزز هذا الاعتقاد بعض السلوكيات والتصريحات للولايات المتحدة والتي توحي بالود والصداقة نحو العرب في عهد الرؤساء آيزنهاور وكنيدي ومستهل فترة جونسون،”

نواصل قراءة العبر التي استخلصها وزير خارجية فرنسا من مغامرة العدوان بعد سنوات من حدوثه و نحن نعيش الذكرى الستين للعدوان. قال لي كريستيان بينو:
«لم أعد أعتقد أن إسرائيل مظلومة مثلما كنت اعتقد بعد الحرب العالمية الثانية وانا لا اوافق على ممارساتها وارجو ان يقوم سلام دائم عادل في المنطقة». كان المطر الربيعي الدافىء لا يزال ينهمر على زجاج مكتبة (لالند) بالدور الاول من السربون أعرق جامعة في اوروبا, وكان الرجل العجوز يرتشف قهوته التي بردت وكنت اتأمل يديه المعروقتين المتعبتين وأقول في نفسي : هذه هي ذات اليد اليمنى التي وقعت على وثيقة (سيفر) لتعلن الحرب على عبدالناصر ولتفتح باب الشرق العربي للحضور السوفييتي الطويل ولتساهم في صنع زعامة الرئيس المصري بتكريس صورة التحدي الناصري بتأميم القناة بقطع النظر عن تداعيات ذلك القرار الناصري بعد عقود من الزمن. كيف تلاحقت أحداث العدوان الثلاثي: 26 يوليو 56 : عبدالناصر يعلن عن تأميم القناة 2 أغسطس 56 : البرلمان الفرنسي يندد 7 أغسطس 56 : الحكومة البريطانية تحتج 23 أغسطس 56 : مؤتمر لندن حول التأميم يهدد الحكومة المصرية بردود فعل دبلوماسية متصاعدة و ربما تصل إلى مواجهة عسكرية لإبطال التأميم 30 أغسطس 56 : الحكومة البريطانية ولجنة الخمسة تلوح بالعدوان 31 أغسطس 56 : عبدالناصر يعلن: لا أذعن للتهديد على طول أيام شهر سبتمبر56 وعندما حل شهر أكتوبر 56 أي منذ ستين عاما انتهزت إسرائيل الفرصة عندما تلاقت مقاصد الاستعمار الغربي مع مقاصدها بمناسبة تأميم حكومة الثورة لشركة قناة السويس في يوليو 1956م. واتفقت على مؤامرة مع كل من إنجلترا وفرنسا، وبدأت القوات الإسرائيلية تهاجم الحدود المصرية في 29 أكتوبر 1956م. وأنذرت الدولتان الاستعماريتان كلا من مصر وإسرائيل بوقف القتال على أن تقف قوات كل منهما على بعد أميال قليلة من جانبي قناة السويس، ولما رفضت مصر الإنذار هاجمت القوات الاستعمارية الإنجليزية والفرنسية منطقة القناة لتطويق الجيش المصري في سيناء، لكن القيادة المصرية فوتت عليهم هذا الغرض فارتدت وأخلت سيناء حيث تقدم الجيش الإسرائيلي واحتلها. استمر الفدائيون من رجال الجيش بالإشتراك مع الشعب في قتال القوات الاستعمارية في بور سعيد، وتدخلت الأمم المتحدة ونددت بالعدوان الثلاثي علي مصر وطالبت المعتدين بالانسحاب وضغطت الولايات المتحدة على كل من انجلترا وفرنسا، كما هدد الاتحاد السوفيتي الدول المعتدية، بالإضافة الي ثورة العمال المتعطلين في انجلترا وفرنسا ضد حكومتهما بسبب ما تعرضوا له من البطالة، وبذلك فشل الاعتداء واضطرت الدول المعتدية الى سحب قواتها بعد أن وافقت مصر على قرار الأمم المتحدة بوجود قوة طوارئ دولية على الحدود الفاصلة بين مصر وإسرائيل، وفي منطقة شرم الشيخ المطلة على خليج العقبة. واكتوبر: المناخ متفجر وتحرك اسرائيلي واسع 29 اكتوبر 56 : اسرائيل تحتل سيناء 5 نوفمبر 56 : هجوم مشترك بريطاني فرنسي 6 نوفمبر 56 : اميركا وروسيا ينددان بالعدوان 7 نوفمبر 56 : وقف اطلاق النار وبدء الانسحاب.
تعتبر أزمة السويس استناداً للأدبيات السياسية والاستراتيجية للدول العظمى، بأنها فاتحة عصر جديد في عملية الصراع وأدواته بين القوى العظمى بعد الحرب وظهور الولايات المتحدة الأميركية كقوة دولية طامحة لتبوء مكانة مهيمنة في السياسة الدولية، جاءت ضمن العالم الغربي لتحتل جميع مواقع الدول العظمى السابقة بريطانيا وفرنسا، والتي أفل نجمها بعد العدوان الثلاثي. ناهيك عن صراع الوجود الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ممثلة للعالم الغربي وبين الاتحاد السوفيتي ممثلا للعالم الشرقي.
كما نجم عن أزمة السويس تصورٌ خطيرٌ لدى الشعوب العربية وقادتها ونخبها السياسية والإعلامية، مفاده بأن موقف الولايات المتحدة المناوئ للعدوان الثلاثي مبني على نظرة أميركية متصالحة وصديقة نحو العرب، وعزز هذا الاعتقاد بعض السلوكيات والتصريحات للولايات المتحدة والتي توحي بالود والصداقة نحو العرب في عهد الرؤساء ايزنهاور وكنيدي ومستهل فترة جونسون، مما أدى إلى رسم سياسات مغلوطة بأن الولايات المتحدة ستساند العرب ضد أي عدوان إسرائيلي، كما حدث في أزمة السويس. ولم يخطر ببال منسقي السياسة الاستراتيجية العرب بأن للولايات المتحدة خططاً للهيمنة على العالم من خلال الحرب الباردة وسياسة الأحلاف. وهذه إحدى الأسباب التي أدت بالنتائج السلبية لحرب يونيو 1967 والتي استبعدت عامل دخول الولايات المتحدة إلى جانب أي عدوان مرتقب، حيث كانت القوات العربية قد ضمنت تفوقها في المعركة ومن خلال الدعم السوفيتي على إسرائيل، مع أي دعم بريطاني وفرنسي لإسرائيل.
من النتائج الأخرى لفشل العدوان الثلاثي هي ازدياد شعبية جمال عبد الناصر والخط السياسي الذي كان ينتهجه وازدادت هذه الشعبية أكثر بعد إعلان قيام الاتحاد العربي بين سوريا ومصر كنواة لدولة عربية شاملة ذات نظام لامركزي والتي أعلنت عام 1958 مما أدى إلى تسريع قيام الحركات المناهضة للأنظمة الموالية للدول العظمى الاستعمارية، ذات التطلعات المهيمنة على مقدرات العالم الثالث كحركة 14 يوليو 1958 في العراق وحركة 26 سبتمبر 1962 في اليمن، ومسيرة الاستقلال في تونس . في الحقيقة مسيرة الاستقلال في تونس توجت في 20 مارس من عام 1956 أي قبل العدوان الثلاثي. بهذه الخلاصة قرأ موقع ويكيبيديا تداعيات العدوان الثلاثي وحلل حقيقة الأخطاء العربية حين اعتقد زعماء العرب وبخاصة عبد الناصر بأن الولايات المتحدة إنماساندت الحقوق العربية في القناة وفي فلسطين لكننا استيقظنا كعرب على هول المصائب الأعظم حين خطط الغربيون عموما للصراع الأليم بين العروبة و الإسلام منذ أن أعدم عبد الناصر المفكر سيد قطب و الأزمات مفتوحة الى اليوم منذ ستين عاما تفصلنا عن العدوان الثلاثي الغاشم على مصر.