تنتشر بين الحين والآخر ومن خلال مواقع الويب الإخبارية أخبار تقنية متنوعة يكون البعض منها صحيحاً والبعض الآخر تتم المبالغة فيه وتضخيمه بهدف استمالة رغبة القراء وجذبهم إليه بشكل يجعل من انتشار الخبر عبر وسائط ومنصات شبكات التواصل الاجتماعي وبرامج المحادثة مثل الواتس سريعاً، وقد يكون لهذه الأخبار أو إن صح التعبير الإشاعات تأثير كبير ليس فقط على الشركات وأعمالها وقيمة تداول أسهمها في أسواق المال وإنما حتى على ثقافة تعامل المستخدمين مع التقنية بشكل عام، فمؤخراً انتشرت إشاعة قوية عن دق ناقوس الخطر وتنبأ خبراء أمن المعلومات حول العالم بتوقف كبرى مواقع الشركات العالمية وانهيار نصف شبكة الانترنت العالمية، وهذا ما دعانا إلى البحث في الموضوع وبشكل سريع، حيث تبين أن الخبر فعلاً مبالغ فيه بطريقة خيالية لا تمت للواقع بأي صلة، حيث أن ما حدث بالفعل هو هجوم إلكتروني على إحدى كبرى الشركات الأميركية الوسيطة التي تعمل في مجال إدارة تدفق البيانات وتوفير خدمة (دي ان إس) الضرورية لترجمة العناوين المعرفة للولوج للمواقع وهي شركة (دي واي إن) والتي تقدم خدماتها لإحدى كبرى المواقع الأميركية التجارية مثل أمازون وأيضاً منصة التواصل الاجتماعي المعروفة تويتر وبالطبع غيرها من المواقع.

وعند الحديث عن تفاصيل ما حدث وتبسيطه فإننا نرى إننا استخدمنا لفظ هجوم على ما حدث مع الشركة ولم نقل اختراقا، فهناك فرق كبير بين المعنيين، فالاختراق هو قيام شخص متخصص «هاكر» أو أكثر بالدخول على موفرات أو خوادم خدمة معينة من خلال ثغرات برمجية بالأنظمة وإلحاق الضرر بها، أما الهجوم فهو مختلف ويعني أن هناك آلاف الأجهزة اشتركت في العملية التخريبية وهذه الأجهزة تقوم بدورها بالتواصل مع موفرات أو خوادم (سيرفرات) الشركة الضحية وتحميلها فوق طاقتها الاستيعابية حسب حجمها بآلاف أو ملايين المرات مما يؤدي بها إلى البطء الشديد أو التوقف التام عن العمل وبالتالي شل الحركة وانقطاع الخدمة عن المستفيدين الحقيقيين منها. لذلك فالضرر الأساسي وقع على شركة واحدة وهي شركة داين الأميركية والتي تعمل كوسيط بين الشخص المتصفح أو طالب الخدمة وبين الموقع الرئيسي والذي على سبيل المثال في حالتنا هذه عملاق التجارة الإلكترونية في العالم شركة أمازون ومنصة التواصل الاجتماعي تويتر، فالشركات هنا لم تخترق مواقعها أو قواعد بياناتها ولم تتعطل عن العمل بشكل كبير ولم يشعر بها المستخدمون على مستوى العالم لأنها انحصرت في منطقة جغرافية معينة على مستوى الولايات المتحدة الأميركية ولفترة لم تتجاوز الساعتين، هذه بالإضافة إلى انه ليس من الصحيح أن نطلق بأن الضرر كما وصفته بعض وسائل الاعلام بانهيار نصف شبكة الانترنت، حيث ان شبكة الانترنت لم تتأثر بتاتاً، فالهجوم كان على شركة وسيطة والمتأثرون هم فقط المواقع التي تتعامل معها ولها صلة بها، وبالطبع فإن هناك دروسا أمنية يستفاد منها وهي أن يكون دائماً للمؤسسات والشركات موفر خدمات إدارة تدفق بيانات وموفر (دي ان إس) بديل في حالة تعطل الأول .. لكن أيضاً هذا الموضوع يشدنا إلى التساؤل من أين آتى المخربون بآلاف الأجهزة التي قامت بعملية الهجوم وتحميل الخوادم فوق طاقتها وبالتالي إلى توقفها .. فليس من الواقعي أن يكون هناك آلاف الأشخاص الذين يقومون بهذا العمل التخريبي في نفس الوقت، فالحقيقة المزعجة أن هذه الأجهزة كلها أجهزة أشخاص عاديين ولكنها مخترقة وأصحابها قد يعلمون أو لا يعلمون بها وهي في حالة سبات وجاهزة لاستقبال الأوامر بالمشاركة بالهجوم في أي وقت، فالكثير منا للأسف وعند استخدامه لأجهزة الحاسوب وعند التهاون بالتعامل مع البرمجيات المرخصة او المشروعة يكون مشاركاً في كبرى عمليات الهجوم التي تحصل على مستوى العالم، نعم فأنا لا أبالغ في هذا، فمن لا توجد لديه ثقافة شراء البرمجيات ويتعامل مع البرامج (المكركة) او غير مرخصة والتي يتم الحصول عليها من جهات مجهولة وغير معروفة، غالباً ما تحول جهاز المستخدم الى جهاز (زومبي) مهيأ للمشاركة في عملية هجوم في أي لحظة وقد يكون هذا الهجوم على خدمات الكترونية داخل البلد أو خارجها، لذلك فالأجهزة المخترقة ليس من الضروري ان يكون المقصود منها صاحب الجهاز وإنما قد يكون شخصا آخر او شركة أو مؤسسة، فبالتالي لا يرغب أحد منا أن يكون يوماً سبباً أو مشاركاً في تخريب أو تعطيل مؤسسة من مؤسسات بلاده ومنطقته وتقوم بخدمته وخدمة غيره، لذلك علينا أن نرفع من مستوى ثقافتنا في التعامل مع التقنية وبرمجياتها وأن لا نفكر في أنفسنا فقط، فبما أن الشخص متصل بالأنترنت فإنه يحمل على عاتقه مسؤولية التصرف غير الصحيح، إذ لا يلحق الضرر به فحسب وإنما قد يلحق الأذى بالمجتمع الذي حوله .. فهل شاركت يوماً في إحدى الهجمات الإلكترونية؟