[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]

أبرزت الكثير من وكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً ما وجهته منظمة العفو الدولية من اتهامات للسودان باستخدام أسلحة كيماوية في عملياتها العسكرية باقليم دارفور الذي شهد حروباً وصراعات بين الحكومة وعدد من المجموعات المسلحة والمتمردين على الحكومة السودانية استمرت طوال الاثني عشر عاما الماضية أي منذ عام 2003 م .
ورغم ان اصدار الأحكام الاطلاقية في هكذا موضوعات سواء كان بالنفي أو التأكيد، أمر لاينبغي الأخذ به خصوصا في قضايا شائكة وذات ابعاد علمية مثل استخدام الأسلحة الكيماوية او النووية، الا أن ماورد في تقرير منظمة العفو الدولية من أسانيد ارتكزت عليها، يثير حتى قريحة البسطاء في الأخذ بأبسط معطيات المنطق ليشككوا في ما ارتكزت عليه المنظمة الدولية من أدلة في تقاريرها، مما يجتر الذكريات حول السيناريو العراقي بشأن كذبة امتلاك بغداد لأسلحة كيميائية أدت فريتها الى اجتياح العراق في 2003 ظلماً.
واللافت للانتباه حتى لرجل الشارع العادي، بأن المنظمة أوضحت ودون استحياء في تقريريها إلى
أنها اعتمدت في تقريرها على صور بالأقمار الصناعية و(تحليل خبراء لصور) تظهر إصابات على من تعتقد أنهم أصيبوا وقتلوا بأسلحة كيماوية، مشيرة في ذلك إلى أن إحصائياتها تبين بأن مئتين وخمسين شخصا في دارفور لقوا حتفهم بسبب تلك الأسلحة المزعومة.
وبما أن الأدلة العلمية والقرائن المحسوسة والملموسة هي التي يجب أن يكون لها القول الفصل في مثل هذه الاتهامات، الا أن منظمة العفو الدولية بشأن كيماوي السودان، وللأسف بدت كمن يعيد تمثيل دراما محاولات إثبات امتلاك العراق للأسلحة الكيماوية في الأسبوع الأخير الذي سبق غزوه، علما بأن كافة مخابئه وكوامنه وخنادقه تم تفتيشها وتحليلها بواسطة خبراء الكثير من الوكالات العالمية الأممية منها والمخابراتية المختصة في هذا المجال، فلم تثبت بوضوح مدى صحة اتهام بغداد بحيازتها لأسلحة تدميرية ... ولكن رغم ذلك تمت الحبكة وتم الغزو الذي اتبعه التدمير.
وبغض النظر عن نفي الخرطوم لتلك الاتهامات، حيث من البداهة ان لايتمسك أو يكتفي أي مراقب أمين بتقارير الجهة التي توجه الاتهام أو نفي الجهة المتهمة بفعل شنيع كهذه الخطوة المرفوضة من حيث أخلاقيات الحروب ان كان للحرب أخلاق في الأساس، الا أن فقدان الدليل الملموس على الأرض والمأخوذ من تراب المعارك يوسع من دائرة التشكيك في حيادية منظمة العفو الدولية بشأن استخدام السودان للأسلحة الكيماوية ضد شعبه في دارفور.
وعلاوة على ذلك، فإذا تم الأخذ بعبارة شهد شاهد من أهله، طالما أن السياق تسوده مفردات كالاتهام ونفي الاتهام والأدلة والبراهين، فقد انبرت البعثة المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في دارفور والمعروفة اختصاراً باسم (يوناميد) معلنة في الأسبوع الماضي نفيها وبوضوح مزاعم منظمة العفو الدولية بشأن استخدام السودان أسلحة كيماوية بإقليم دارفور، مؤكدة في إعلانها بأن منسوبيها المنتشرين (على الأرض ) في الإقليم لم يتلقوا مطلقاً أي شكوى بهذا الخصوص.
وعليه، وكيفما كان اتهام منظمة العفو الدولية صحيحا أو مجرد زعم وتلفيق، فان الكثير من الجهود الباحثة عن السلام في غرب السودان والتي أكدها حرص قطاع عريض من المتمردين والكثير من الحركات المسلحة التي تبدو منسجمة ومتناغمة مع جهود الحكومة السودانية الهادفة للوصول إلى سلام واستقرار إقليم دارفور، جميعها مؤشرات تؤكد حاجتها إلى الدعم وتهيئة المناخات اللازمة لإنجاح تلك الجهود، وليس لتفخيخها وإعادة جهود الحوار السلمي إلى المربع الأول .. وذلك رغم أن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين إن ثبت فيما بعد ينبغي عدم تمريره .. ولذلك فإن مجرد الزعم باستخدام هكذا أسلحة في خضم بحث كافة الأطراف عن فرص السلام في غرب السودان لايستبعد فيه الأخذ بنظرية المؤامرة التي تستهدف وضع المترايس أمام إمكانية الوصول إلى سلام دائم في دارفور والسودان بجميع أرجائه. ... آملين أن لا يعيد تقرير أمينستي سيناريو الكيماوي العراقي المفضوح.