[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” .. القرآن يدلنا على حقيقة ربانية خالدة وهي أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء أي الذين يتخذون البشر والطواغيت والأنماط الدخيلة من القوانين ونماذج الحضارات الغريبة عن الإسلام أولياء من دون الله مثلهم كمثل العنكبوت أتخذت بيتا أي أسست أسرة ولكنها أسرة هشة منهارة لأنها بنيت على غش وخديعة أساسها ليس المودة والرحمة...”
ــــــــــــــــــــــــــ

قال الله تعالى في كتابه المجيد و في سورة العنكبوت الآية 41 :
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. صدق الله العظيم
يتذكر قرائي الكرام الجزء الأول من مقالي هذا وعنوانه الذي يعبر عن أمنيتي وأمانيكم ألا تتحول الأسرة التونسية إلى ما يشبه بيت العنكبوت وأنا مدين لأحد خطباء مساجدنا التونسية في يوم جمعة من الأسابيع الماضية حين اجتهد وفسر للمصلين معاني سورة العنكبوت وشرح للناس لماذا قال الله جل وعلا بأن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ولماذا شبه الكتاب المجيد بيوت الذين اتخذوا من دون الله أولياء ببيت العنكبوت. قال الخطيب بأن القرآن فيه سورا سماها الله باسم بعض الحشرات مثل سورة النحل وسورة النمل وسورة العنكبوت فاستعمل كتاب الله صيغة الجمع في سورتي النحل والنمل (و مفردها نحلة ونملة) لكنه استعمل صيغة المفرد في سورة العنكبوت (لأن جمعها عناكب) فقال الخطيب حفظه الله بأن في الأمر حكمة لأن النحل والنمل مخلوقات تعيش في مجتمعات مدنية متحضرة منظمة تنظيما أفضل بكثير من مدن الإنسان بل هي أرقى من مدن الإنسان وأكثر منها حماية للبيئة وليس فيها جريمة وأوفر منها عدالة اجتماعية وأمنا بلا عنف أو إرهاب أو ظلم بل وأحسن تخطيطا واحتياطا للمستقبل وتقاسما للعمل وتقديرا للجهد من مدن الناس (وذلك حلله علميا أحد علماء البيولوجيا الحيوانية الأستاذ فيبير WEBER في كتاب عجيب عنوانه (مدينة النمل) وكذلك النحل فهو يتعايش في سلام وينتج العسل ويتناسل في نظام تلقائي عجيب يفوق كل عبقرية البشر ولديه ملكة تسهر على التسيير المحكم لمملكة النحل وهي منتخبة يمكن عزلها لو اتفق النحل على عزلها وهنا قمة الديمقراطية والفصل بين السلطات! أما في سورة العنكبوت فاستعمل القرآن صيغة المفرد لأن هذه الحشرة لا تعيش إلا وحدها منعزلة لا علاقة لها مع العناكب وهي تبني بيتا لوحدها والبيت لديها عبارة عن نسيج من خيوط العنكبوت يقوم مقام الفخ لتقع فيه الحشرات فريسة للعنكبوت وأغلب الناس يعرفون أو هم درسوا في المدارس الابتدائية طريقة حياة العنكبوت منذ أن تنصب فخها بخيوط تصنعها من لعابها هو بيتها وكيف تلتهم الحشرات المغرورة الواقعة في شباك الفخ حيث تتخبط الضحايا طالبة الخلاص ولا خلاص ثم لا تقوى على الحركة فتستسلم لموت بطيء وتظل عالقة في الفخ جثة هامدة لتكون طعاما للعنكبوت على مدى أشهر. أما سلوك العنكبوت مع بيضها وعيالها (إذا صح هذا التعبير البشري!) فهو سلوك مناقض للفطرة التي فطر الله عليها المخلوقات من إنسان وحيوان وحتى النبات أي أن كل مخلوقات الله ترعى أولادها وتدافع عنهم وتحتضنهم حتى يشبوا على الطوق بل تفدي الأمهات صغارهن بحياتهن الى أن يحين الموعد الذي يستقلون فيه ويغادرون إلى حياتهم الخاصة بهم. أما العنكبوت فهو الحشرة الوحيدة التي لا علاقة غريزية أو عاطفية لها بعيالها فتسرح بيضها وما فقص منه ليموت من يموت ويعيش من يعيش بمعجزة من رب العالمين من يكتب له البقاء .. أما درة الدرر في سلوك العنكبوت والسر الذي كان وراء نعت الله لبيتها بأنه أوهن البيوت فهو أن العنكبوت الأنثى هي التي تغرر بالعنكبوت الذكر وتستدرجه لشبكتها ليعاشرها ويخصبها حتى تقضي منه وترا فتكون المفاجأة الرهيبة للذكر المسكين بعد الجماع مباشرة وهي أن تلتف الأنثى حوله وتورطه في خيوطها ثم تفترسه بدون رحمة وهو يستغيث ولا مغيث إلى أن تلتهمه التهاما كاملا وهكذا دواليك لتجري حياة العنكبوت على هذا الشكل الغريب الذي أعتقد بأن الله سبحانه خلقه ليضرب لنا نحن البشر مثلا ساطعا على تخريب الناس لبيوتهم بأيديهم!
فالقرآن يدلنا على حقيقة ربانية خالدة وهي أن الذين اتخذوا من دون الله أولياء أي الذين يتخذون البشر والطواغيت والأنماط الدخيلة من القوانين ونماذج الحضارات الغريبة عن الإسلام أولياء من دون الله مثلهم كمثل العنكبوت أتخذت بيتا أي أسست أسرة ولكنها أسرة هشة منهارة لأنها بنيت على غش وخديعة أساسها ليس المودة والرحمة اللتان أوصى بهما الله تعالى ولكن أساسها الفخ المنصوب للخديعة والغدر وتستنجد المرأة بالمحامي والمحكمة وفصول القوانين لتحل محل المودة والرحمة وهذه البدائل هي التي تغرر بالمرأة عادة و تفتح في وجهها باب البغي و باب الظلم لبعلها فتطالبه بما لا يقدر عليه و تريد تجريده من فلذات أكباده و من رزقه الحلال وتبعده عن أمه و أبيه و يا ويله لو كان متزوجا قبلها و لديه أولاد من زوجته الأولى فعيشته تصبح ضنكا حين تقطعه عن أهله و تنفرد به كما تنفرد العنكبوت بالذكر بعد حياة مشتركة لأن بعض النساء وهن قلة اتخذن من دون الله أولياء.
أنا لا أريد أن تتحول بعض العائلات التونسية إلى شبكات عنكبوت لا قدر الله لأني على ثقة من أن الأغلبية من نسائنا التونسيات الحرائر تربين على الفضيلة وتعلمن إحترام الزوج وعشن في كنف القيم الإسلامية السمحاء ولكن تلك القلة من النساء اللواتي نجدهن اليوم متأبطات ملفات سميكة ويسرن وراء محام أو موظف محكمة أو نجدهن في أروقة بعض البرامج التليفزيونية يتخذنها أخر ملجأ لهن لإشهار معضلة عائلية أو التشهير بزوج أو لتبرير انحراف وقد رأينا في هذه البرامج (التوك شو) ما يندى له جبين كل تونسي مسلم. ولا تحسبن يا قارئي الكريم أن لي عداء مع المرأة أو مع قوانين الأحوال الشخصية فأنا بالعكس أعتبر حماية المرأة مكسبا وأكبر منه حماية الأسرة لأنها الخلية الأساسية للمجتمع ولكن لكل قانون (كما لكل دواء) أعراضا جانبية سلبية وجبت معالجتها بالحكمة وبعيدا عن الأيديولوجيات التغريبية من أي تيار سياسي أو حضاري كان. فالمرأة هي نصف المجتمع و لا أحد يرضى أن يصبح مجتمعنا أنثويا صرفا بإرادة القانون بعد أن كان متوازنا على مدى قرون كما لا نرضى أن يتحول مجتمعنا ذكوريا محضا يزهو فيه سي السيد بعصاه و يستبد بزوجته وابنته و أخته. معاذ الله إنما الطريق المستقيم في إدارة مجتمعنا و هندسة مستقبلنا هو أن نعيد العلاقة بين الرجل و المرأة إلى خالص صفائها و ذلك بإعادة الاعتبار لرب الأسرة و حاميها و بإعادة الروح للقيم و الفضائل و المودة و الرحمة والتكافل والسكينة فالسكينة هي التي قصدها الله سبحانه حين قال جل من قائل:
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: 21].