[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
لم يجد هيرتزل موتاً نهائيًّا لآماله ومطامعه، لقد وصل إلى سمع هرتزل أن الحكومة العثمانية بدأت تتضايق من الميول الاشتراكية التي كان يعود بها الطلاب الاتراك من الجامعات الأوروبية، فأسرع إلى استغلال مخاوف الحكومة العثمانية من هذه الظاهرة، وتقدم باقتراح إلى السلطان يؤكد له فيه قوله: إننا نحن اليهود نستطيع أن نؤسس جامعة يهودية في ممتلكات امبراطوريتكم في القدس مثلاً، تغنيكم عن ارسال طلاب الامبراطورية العثمانية إلى الخارج وتضمن لهم البقاء في داخل بلادهم وتحصيل اعلى العلوم، ولكن الحكومة العثمانية تجاهلت هذا الاقتراح ولم ترد عليه، وهنا تأكد هيرتزل من موت جميع الآمال التي كان يعلقها على السلطان عبد الحميد، والأهداف التي كان يرجو أن حكومة الامبراطورية العثمانية تستطيع تحقيقها له فبدأ يحول انظاره إلى جهة جديدة.
وفي 13 اب/اغسطس 1899 أرسل هرتزل رسالة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، بمناسبة بدء جلسات المؤتمر الصهيوني اوضح فيها أن الصهيونيين المجتمعين في مؤتمر بال يعدون أن واجبهم الأول هو أن يرفعوا تعهدهم بإخلاصهم وتقديرهم للطف جلالته نحو رعاياه اليهود إلى اعتاب عرش جلالة السلطان. إن الصهيونيين يرغبون في اغاثة اخوانهم التعساء في دول أوروبا المختلفة وفي الإسهام في عظمة الامبراطورية العثمانية وازدهارها، وإنهم ليأملون بإخلاص أن يحظى ولاء هذه الرغبات بتقدير وتشجيع حكمة الخليفة العظيمة. غير أن الموقف العثماني الثابت من الهجرة اليهودية ومشروع الدولة اليهودية كان قد ظهر واضحاً منذ سنوات، ولهذا تجاهل السلطان عبد الحميد الثاني المطالب الجديدة ولم يرسل إليه رسالة جوابية بهذا الخصوص.
استمر الزعيم الصهيوني هرتزل في محاولاته دون ملل او يأس، بل إنه في 13 أيار/مايو 1901 توجه إلى اسطنبول، وكانت تلك المحاولة الثالثة إذ سبق وأن زارها في عامي 1896 و1898 محاولاً الاجتماع بالمسؤولين العثمانيين وتحديداً بالسلطان عبدالحميد الثاني، واختار غطاءً جديداً في زيارته تلك، إذ قدم نفسه هذه المرة على اساس عمله كصحافي صهيوني، وامضى خمسة أيام قبل أن تتاح له فرصة مقابلة السلطان، ويذكر د.حسان علي الحلاق أنه وقبل مقابلته السلطان حذره (فامبري Vambery) وهو جاسوس عثماني ومستشرق هنغاري، يهودي الأصل، تزوج من أميرة عثمانية ووطد علاقاته مع الباب العالي ، وقال لهرتزل (اياك أن تحدث السلطان عن الصهيونية، إنها فانوس سحري، القدس مقدسة لهؤلاء الناس مثل مكة).
وفي 18 ايار/مايو جرت المقابلة بين السلطان وهرتزل، الذي حرص على مرافقة حاخام اليهود في تركيا (موسى ليفي)، وفي الاجتماع بدأ هرتزل ممالأة واستعطاف السلطان بواسطة مترجم القصر الخاص (ابراهيم بك)، وقال (إني أكرس نفسي لخدمته لأنه يحسن إلى اليهود، واليهود في العالم كله مدينون له بذلك، وإني بشكل خاص مستعد لتادية أية خدمة له وخاصة الخدمات الكبيرة، وعرض توسطه لإيقاف حملات صحف (تركيا الفتاة) في أوروبا، ثم وصل هرتزل إلى النقطة الحساسة عندما لمح إلى أن الحركة الصهيونية تهدف إلى ايجاد ملجأ لليهود في الأراضٍي المقدسة. وقد اثار ذلك غضب السلطان، الذي قال (إننا نظن بأن بني قومكم يعيشون في الممالك المحروسة الشاهانية بعدالة ورفاه وأمن، واضمن انكم تعاملون نفس المعاملة الحسنة التي يعامل بها تبعتنا كافة دون تفريق او تمييز ويعيشون في أمن واعتماد، هل لكم شكاية ما أو هنالك معاملة غير عادلة ولا نعرفها نحن؟؟). وفي ذلك الجو تحدث الحاخام موسى ليفي بخوف حسبما يذكر المؤرخ التركي جواد اتلخان -المعاصر للسلطان عبد الحميد الثاني- حيث قال (استغفر الله سيدنا، بفضل ظل شاهانتكم نعيش بكمال الرفاه. حاشا لا توجد لنا شكاية ما، إننا نسترحم فقط جعل قومنا العائش مشتتين فوق الأرض صاحب وطن في ظل شاهانتكم ليقوموا هناك بفرائض الشكر والدعاء لحياة سيدنا العظيم طول بقاء الدنيا. فرد السلطان منزعجاً لا يمكن أن نعمل أكثر مما عملناه حتى الآن لجماعتكم، حيث إنكم تستفيدون من خيرات بلادنا كافة كمواطنينا الاخرين، بل إنكم متنعمون ومرفهون أكثر من سواكم. واضاف السلطان: إني احب تطبيق العدالة والمساواة على جميع المواطنين، ولكن اقامة دولة يهودية في فلسطين التي فتحناها بدماء اجدادنا العظام فلا..).