”الطبيعة الإنسانية عموما تكره الفراغ، وبالتالي تتخلص من ظاهرة الكسل التي يسببها انتظار المساعدات، وهناك دراسات سيكولوجية جديدة تحث الحكومات والمنظمات المعنية بالحقوق الإنسانية على وضع برامج عمل من أجل زج حتى المسنين في نشاطات عمل ولو كانت بسيطة، وبمعنى مضاف إلغاء شرط التقاعد التقليدي الذي ينص على ما يعرف بانتظار المسنين توديع الحياة.”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

أن يكون لدى سلطنة عمان برنامج اقتصادي لإخراج الشرائح الاجتماعية من سقف الضمان الاجتماعي المغلق، والانتقال إلى سقف الشرائح المنتجة، فلأن ذلك يتعلق بمفهوم المسؤولية الأخلاقية والوطنية لتطبيق التنمية البشرية المستدامة للجميع، وهذا بحد ذاته أحد متطلبات البناء الاجتماعي الذي يضع الاعتبارات الإنتاجية أمام فرصة متاحة من شأنها أن تنتزع تلك الشرائح من حالة الاتكال في تلقي مساعدات معينة توفر تغطية حاجاتها إلى شرائح تسهم مساهمة فعلية متواصلة في البناء التنموي العام.
لقد اطلعت على المضامين التي تناولها مشاركون في مؤتمر عقد في العاصمة مسقط خلال الأيام القليلة الماضية لتحقيق ذلك, والحال أن وجود برنامج شامل وبآليات ميدانية تطبيقية من شأنه أن يحرر تلك الشرائح الاجتماعية من سطوة التقتير، ويغني حركتها ضمن فضاء المسيرة التنموية العامة وهذا يحقق أهدافا عدة.
الهدف الأول نفسي يرتبط ارتباط وثيقا بشعور تلك الشرائح من أنها تمارس حياتها الطبيعية وأنها قادرة على الإنتاج بدرجة معينة, بل إن هذا الإنجاز الميداني النفسي من شأنه أن يعزز روح التضامن في عموم المجتمع، وكذلك التضامن بين أبناء الأسرة الواحدة ضمن مجالات المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وما ستحدث من علاقات تحتمها تلك المشاريع إنتاجيا وتسويقيا ومردودات مالية, ويأخذ هذا البعد الإيجابي دوره الأكثر أهمية بالنسبة للنساء وخاصة السيدات الأرامل أو المطلقات لأنهن جميعا يجدن أنفسهن في حالة جديدة من المسؤولية والقدرة على التأثير، وهذا بحد ذاته مفتاحا مهما للاندماج الاجتماعي علما أن الطبيعة الإنسانية عموما تكره الفراغ، وبالتالي تتخلص من ظاهرة الكسل التي يسببها انتظار المساعدات، وهناك دراسات سيكولوجية جديدة تحث الحكومات والمنظمات المعنية بالحقوق الإنسانية على وضع برامج عمل من أجل زج حتى المسنين في نشاطات عمل ولو كانت بسيطة، وبمعنى مضاف إلغاء شرط التقاعد التقليدي الذي ينص على ما يعرف بانتظار المسنين توديع الحياة.
إن الأفراح والمسرات التي يوفرها عمل إنتاجي ينتزع الإنسان من الرتابة يمثل عاملا مهما لتحرير الإنسان من الاكتئاب العام على وفق الفحص النفسي الميداني الذي اعتمده الفيلسوف الألماني ايرك فروم.
الهدف الثاني أن المجتمعات العصرية هي مجتمعات ذات حاجات متفاقمة ومتجددة ومتراكمة، وهكذا عندما تنتقل الشرائح الاجتماعية من مناخ الضمان الاجتماعي إنما تحقق رفعا لشأنها الاقتصادي العام، وتجعلها قوة مؤثرة وتلك بحق أحد أهم شروط التمكن وتطور المجتمع، علما أن المتغيرات التي تشهدها المجتمعات على هذا الطريق تكون بمستوى القدرة على مواكبة مستجدات العصر والتكيف مع متطلباته، وهذا ما جرى بالنسبة للمجتمع العماني، إذ تدرج في ذلك منذ أن بدأت السلطنة بتنفيذ خطط تنموية خمسية كان منطلق الشروع فيها عام 1970م.
الهدف الثالث ويتعلق بمنظور الحوافز، أنك حين تضع مواطن ما أمام حافز إنتاجي في مشروع معين مع توفير مستلزمات الكلفة المالية والإطار الاقتصادي العام، إنما يشعر أنه في ملاذ تنموي آمن، وأنك في هذا تكون قد وضعته ذهنيا على قدر المسؤولية الإنتاجية التي يجب أن يتحلى بها كل مواطن.
وعموما، إن هذه الأهداف الثلاثة مشروطة بوجود منظومة اجتماعية وثقافية عامة تأخذ بنظر الاعتبار واقع تلك الشرائح مناطقيا، وما تحتاجه مستلزمات العيش الكريم بخلق فرص العمل، وهي البوابة الحقيقية لبناء الشخصية الوطنية المتماسكة، وأجزم أن ذلك هو ما يميز الروحية الوطنية لدى العمانيين.
الخلاصة الأخرى عن هذا المشروع الاقتصادي الرائد أن الضمان الاجتماعي لا يتوقف لهذه الأسرة أو تلك وللأفراد إلا بعد التأكد من أنهم أصبحوا بمستوى الإنجاز الاقتصادي الذي يدر أرباحًا عليهم.