[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
”الرؤساء في البلاد العربية وبخاصة في تونس التي يعتبرها البعض النموذج الأقصى الذي استورد أغلب قوانين الاحوال الشخصية من فرنسا فقصص الرئيس بورقيبة مع المرأة مثلا تتميز بالطرافة لأن الزعيم عندما تولى الرئاسة دشن عهده بسن مجلة الأحوال الشخصية لحماية المرأة التونسية من الطلاق التعسفي لكنه بعد مدة قصيرة طلق أم ابنه السيدة مفيدة بورقيبة بشكل "انفرادي"”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صدر هذا الأسبوع في فرنسا كتاب غريب تخاطفه القراء وشغل الإعلام هو كتاب الرسائل الغرامية (12000 رسالة) كتبها رئيس الجمهورية الفرنسية الأسبق فرنسوا ميتران إلى زوجته الثانية السيدة (أن بنجو) وأم ابنته (مازارين) وهي الجميلة المثقفة التي شغف بها ميتران حبا وتصغره بثلاثين عاما أي سنها نفس سن الابن الأكبر للرئيس (جون كريستوف). تعرف عليها حين كان مجرد عضو في البرلمان وفي السنوات الأولى من الستينيات كان عمر البنت الصغيرة 18 سنة وبلغت العشرين سنة 1964 حين بدأت حكاية غرام عميقة وصادقة بين السياسي الكهل والشابة المغرمة بالفنون. وكان ميتران متزوجا من (دانيال) رفيقة دربه السياسي وله منها ولدان ولم يفكر قط في الانفصال عنها فهو كأغلب الرجال (والسياسيين منهم خاصة) يتسع قلبه لامرأتين ويحتاج لعلاقة حميمة وخارجة عن منطق الناس العاديين. وبعد عشر سنوات من الحياة الغرامية المشحونة بالعواطف (كما جاء في رسائله لها) طلبت منه (هدية) وحين عرف أن الهدية المطلوبة هي أن تنجب منه وافق وولدت البنية (مازارين) في يوليو 1974 فكانت الأسمنت الذي شد أسس البناء العاطفي وظلت هذه القصة مجهولة وظلت الزوجة الثانية وابنتها تعيشان في الظل ويوميا يتردد عليها الرئيس في شقتها شارع جاكوب الى غاية وفاته يوم 8 يناير 1996 حين أحس بقرب أجله فأمسك بيدها ويد ابنته مازارين وطلب منها أن تستدعي طبيبه الخاص الدكتور (جون بيار تارو) وجاء الطبيب وقال لها إن الرئيس بالإضافة إلى سرطان المثانة يعاني من ورم خبيث في المخ. وانتهت حياة الرجل العاشق الذي أخفى عن الجميع حياته المزدوجة وكانت زوجته دانيال على علم بالزوجة الثانية واحترمت رغبة زوجها ولم تطلب الطلاق وقبلت كامرأة فاضلة وكزوجة صالحة أن تتقاسم (فرانسوا) مع ضرتها وفي الجنازة الوطنية المهيبة كانت الزوجتان حاضرتين في الصف الأول مع ابنيه من دانيال وابنته من (أن).
أما رئيس الجمهورية الفرنسية الحالي (فرنسوا هولوند) فهو يستعد للزواج للمرة الثالثة بفتاة حسناء تعمل صحفية اسمها (جولي غاييه) زواجا عرفيا مثل زواجه الأول بالسيدة (سيغولان روايال) وله منها أربعة أولاد وهي اليوم وزيرة البيئة في حكومته وبعدها تعرف على صحفية متزوجة هي السيدة (فاليري أرويلار) فتزوجها عرفيا أي بدون عقد موثق وجعل منها لمدة ثلاثة أعوام السيدة الأولى وأقامت معه في قصر الإيليزيه ثم حين قرر الانفصال عنها أبعدها عن القصر وعن حياته فنشرت كتابا لقي رواجا واسعا بعنوان (شكرا على هذه الأوقات الممتعة) وكشفت فيه حياتها حتى الحميمية مع الرئيس وحاولت المس من كرامته والطعن في مبادئه لكن المجتمع الفرنسي يختلف عن المجتمع الأميركي المتشبث بالطهرانية وبالوفاء لزوجة واحدة والمصر على احترام قيم الأسرة لدى السياسيين لأنه مجتمع أنجليكاني متدين بينما فرنسا علمانية ولا يتدخل المجتمع في الحياة الشخصية للسياسيين الى درجة أن أحد رؤساء الجمهورية الفرنسية (فيليكس فور) وافته المنية وهو بين أحضان عشيقة ولم يعكر ذلك صفو ذكراه العطرة! ومر كتاب المطلقة السيدة (أرويلار) مرور الكرام ولم يؤثر في مؤسسة الرئاسة ولا حتى في سمعة الرئيس. مع العلم أن الزيجات الثلاثة للرئيس (هولند) هي اقرب الى العقد الإسلامي الذي يسر الارتباط ويسر الطلاق وحمى الحياة الشخصية من حشر القانون أنفه في توجيه عواطف الناس والتحكم في مصائر العائلة. هذا في فرنسا التي تتخذها بعض نخبنا التونسية مثلا أعلى وفي كل مرة يعتلون منبرا فيها يتباهون بما يسمونه (حقوق المرأة) ولا يدركون أن الفرنسيين الذين يستمعون إليهم مرتبطون بنسبة 53% بدون عقود رسمية وأن وزارة الصحة الفرنسية أعلنت أن 52% من المواليد الفرنسيين يولدون خارج مؤسسة الزواج الرسمي الموثق سنويا. أما الرؤساء في البلاد العربية وبخاصة في تونس التي يعتبرها البعض النموذج الأقصى الذي استورد أغلب قوانين الاحوال الشخصية من فرنسا فقصص الرئيس بورقيبة مع المرأة مثلا تتميز بالطرافة لأن الزعيم عندما تولى الرئاسة دشن عهده بسن مجلة الأحوال الشخصية لحماية المرأة التونسية من الطلاق التعسفي لكنه بعد مدة قصيرة طلق أم ابنه السيدة مفيدة بورقيبة بشكل "انفرادي" واقرأوا شعور المرارة في مذكرات ابنه الذي لم ينس هذا الصنيع الصادر عن رجل علماني يؤمن بحقوق المرأة. وأحتفظ لنفسي بما قالته لي شخصيا السيدة مفيدة في بيتها في تونس حين كان صديقها المخلص وصديقي الكبير المناضل والوزير الأسبق عزوز الرباعي يأخذني معه حين يزورها في السبعينيات. فالتاريخ يكتب بعد فوات سنوات العواطف المتأججة والمواقف المنافقة كما أني أحتفظ أيضا بما سمعته شخصيا من السيدة وسيلة بن عمار في باريس في التسعينيات وهي التي تزوجها الرئيس بعد أن كانت "رفيقة دربه" منذ الأربعينيات وكانت السيدة الأولى لمدة ثلث قرن ثم طلقها هي أيضا دون حضورها ودون علمها على أيدي أحد المحامين وهو ما يتناقض تماما مع حقوق المرأة التي جعلها الزعيم بورقيبة عنوانا لما كان يعتقده تحرير المرأة التونسية وأذن أن تحمل الرخامة التي تعلو قبره عبارة (محرر المرأة) الى جانب عبارة (محرر تونس) بينما مع احترامي للزعيم وعهده فهو لم يلزم نفسه بما فرضه على الشعب التونسي من بنود القانون المذكور. والنتيجة اليوم في المجتمع التونسي ليست كما توقعها الزعيم لأن المحاكم التونسية عجزت عن متابعة مئات الآلاف من قضايا الطلاق والنفقة المعروضة على محاكمنا بسبب استحالة تطبيق فصولها القديمة في مجتمع تغيرت ملامحه وتفاقمت مشاكله وتعقدت أزماته على مدى ستين عاما تفصلنا عن تاريخ 13 أغسطس 1956 يوم توقيع تلك المجلة من قبل آخر ملوك تونس سيدي محمد الأمين باشا باي رحمة الله عليه والذي خلعه بورقيبة عن العرش في ظروف مهينة في يوليو 1957 بعد أن كان يرأس حكومته وشهد عدد من أفراد العائلة الحسينية المالكة أن حرم الملك الأمين باي دعيت الى مقر الداخلية وأهينت وطالبتها الشرطة بأن تدلهم على مكان ما تبقى ربما من المصوغ ثم توفيت المسكينة متأثرة بذلك "التحقيق" معها بعد أسبوع بنزيف حاد. وهي المرأة التونسية المفترض حمايتها بقانون بورقيبة كما أنها الملكة الوطنية التي ساعدت بورقيبة وحمته وأبلغت رسائله الى زوجها الملك الصالح باعتراف بورقيبة نفسه في بعض خطبه وهو ما قاله لي بورقيبة نفسه في سنة 1982 حين استقبلني صحبة الوزير الأول محمد مزالي ليعطيني رسالته الى الملك (سنة 1952) والتي ارسلها له عبر زوجته التي كان يسميها بورقيبة "بنت عمي" لأنها أصيلة طرابلس ليبيا مثله هو. ونالت الملكة رحمها الله جزاء سنمار حين تغيرت الظروف ولم تتمتع بأية ذرة لا من "حقوق المرأة" ولا من "محرر المرأة" !!!