[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
” يثير الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قضايا تعبر عن منهجه وتطلعاته السياسية والعمل عليها بعناد، ويعزف على طبول حرب، لا يُعلم اذا كان مدركا لنتائجها وعواقبها وتداعياتها، مع معارضة عراقية صريحة وتجاهل واشنطن لتصريحاته وكذلك "التحالف الدولي" الذي يقود المعركة كما صرح مسؤولون فيه. فمثلا اصر اردوغان على أن بلاده مصمّمة على المشاركة في عمليات "التحالف الدولي" واستعادة مدينة الموصل من تنظيم "داعش"،”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقرع السلطات التركية طبول حرب مع العراق على مختلف المستويات، بمشاركة منتظمة من الرئيس رجب طيب اردوغان، ورئيس الوزراء بن علي يلدرم، ونائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش، ووزير الخارجية مولود جاووش اوغلو، ومن ينطق باسمهم او باسم السلطات التركية. وتحت لافتة المشاركة في حرب تحرير الموصل، المدينة العراقية التي احتلها تنظيم ما يسمى اعلاميا
بـ "داعش" (حزيران- يونيو 2014)، والإصرار على التغلغل العسكري ورفض الانسحاب، رغم كل المطالبات العراقية الرسمية والشعبية بضرورة الانسحاب العسكري من الاراضي العراقية بدون شروط. ومما يزيد الاوضاع حدة تجاوز السلطات التركية للقوانين الدولية والأعراف والعلاقات الدولية والثنائية ومحاولة الضغط والتهديد وزيادة الاعداد العسكرية المتوغلة في الاراضي العراقية والتصريحات النارية بالمشاركة وبمختلف انواع القوات المسلحة والتدخل في الشؤون الداخلية، بل والعمل على العزف على الأوتار الطائفية والتفتيتية للمجتمع العراقي، بكل صلافة وتقصد.
يثير الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قضايا تعبر عن منهجه وتطلعاته السياسية والعمل عليها بعناد، ويعزف على طبول حرب، لا يُعلم اذا كان مدركا لنتائجها وعواقبها وتداعياتها، مع معارضة عراقية صريحة وتجاهل واشنطن لتصريحاته وكذلك "التحالف الدولي" الذي يقود المعركة كما صرح مسؤولون فيه. فمثلا اصر اردوغان على أن بلاده مصمّمة على المشاركة في عمليات "التحالف الدولي" واستعادة مدينة الموصل من تنظيم "داعش"، مضيفا أنه "في حال رفض التحالف فسنُفعّل خطة بديلة". وأشار إلى أن "هناك من يطلب منّا الانسحاب من معسكر بعشيقة (شمال الموصل)، الذي ذهبنا إليه بدعوة من "الحكومة العراقية"!.
لكن ما يلفت الانتباه هو تركيزه على امور جديدة تعبر عن نوايا وأهداف منشودة من كل الطبول التي يقرعها. فقال في خطاب له خلال مراسم أقيمت في بلدة ريزا على البحر الأسود "معذرة، فهناك أشقاؤنا التركمان والعرب والأكراد يقولون لنا تعالوا وساعدونا، والسيد العبادي طلب منّا ذلك بنفسه خلال زيارته لنا". وأضاف "يقولون إنه لا بد من موافقة الحكومة المركزية العراقية على هذا، لكن الحكومة المركزية العراقية يجب أن تعالج مشاكلها الخاصة أولا". ورأى اردوغان أن العراق لا يمكنه بمفرده طرد "داعش" من مدينة الموصل، مؤكداً أن وجود القوات التركية في معسكر قريب ضمان ضد أي هجمات على تركيا. وقال "لن نترك الموصل في أيدي داعش أو أي منظمة إرهابية أخرى". كذلك أكد أنه "يجب أن لا يتحدث أحد عن قاعدتنا في بعشيقة. سنبقى هناك. بعشيقة ضمانتنا ضد أي نوع من الأنشطة الإرهابية في تركيا".
كان اردوغان قد دعا إلى المحافظة على التركيبة السكانية لمدينة الموصل، بعد تحريرها من داعش، "حيث يكون فيها حينها أهاليها فقط بمختلف أعراقهم". وأضاف في مقابلة صحفية، "يجب أن يبقى في الموصل عقب تحريرها من العناصر الإرهابية، سكانها من السنة التركمان، والسنة العرب، والسنة الكرد" مبينا ان "الموصل لأهل الموصل وتلعفر لأهل تلعفر، ولا يحق لأحد أن يأتي ويدخل هذه المناطق" على حد قوله، وهذه اشارات صريحة لأهداف عثمانية تتوافق مع خطط عدوانية مبيتة، تعتمد خطابا ونوايا خطيرة تهدد الوحدة الوطنية العراقية والمنطقة.
استمرارا للخطاب الطائفي والتحضير له ببرامج متواصلة وإعلام مشارك بلغات مختلفة، قال وزير الخارجية جاويش أوغلو، خلال مؤتمر صحفي في أنقرة، إنه "ينبغي إطلاق عملية تحرير الموصل من قبل الجيش العراقي والقوات المحلية وليس عبر الميليشيات الشيعية". وأضاف، إنه "ينبغي علينا عدم إجبار أهالي الموصل على الاختيار بين داعش والميليشيات الشيعية التي تهاجم السنّة"، وهذا استكمال للخطاب الذي اعتمده أردوغان، في معرض مهاجمته رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي.
وقال جاويش أوغلو: "نعلم بأنّ 90 في المئة من أهالي الموصل هم من السنّة العرب، وكذلك أهالي محافظة الرقة السورية. نحن نعارض المذهبية، لكن يؤسفني أن أقول إنّ قيادتي سوريا والعراق وأطرافاً خارجية أخرى تتحرك وفق المبادئ المذهبية". واضح ان مثل هذا الخطاب يصب في خدمة المشاريع المعروضة على المنطقة والتي تنتهي في خطط العدو الصهيو غربي المرسومة والمعلنة سلفا، والتي تفند الادعاءات السابقة للسلطات التركية خصوصا ازاء العلاقات مع الكيان الاسرائيلي.
من جهته قال رئيس الوزراء التركي يلدريم "إن تصريحات بغداد بشأن معسكر بعشيقة في شمال العراق حيث تدرب تركيا مقاتلين وتمدهم بالسلاح لمحاربة تنظيم داعش "خطيرة واستفزازية". وأضاف "جنودنا ينفذون عملا مفيدا للغاية في العراق. ليس لدينا موقف عدائي تجاههم. جنودنا يحاربون ضد متشددي تنظيم داعش هناك" (!). وفي الوقت نفسه حذر مما وصفها بـ"الحرب الطائفية" في مدينة الموصل بعد عملية تحريرها من عصابات داعش الارهابية. وهو يواصل خطط قرع طبول حرب ايضا. وأشار يلدريم في كلمة أمام البرلمان إلى أن "الخطط التي تقودها الولايات المتحدة لشن هجوم على الموصل ليست واضحة وأن هناك تهديدا بتحول المدينة إلى ساحة اشتباكات طائفية جديدة بعد أي عملية للقضاء على داعش بالمنطقة".
مع كل هذه الخطب الواضحة وما خلفها تتفاعل على الساحتين التركية والعراقية خطوات اخرى تزيد القلق منها. فالبرلمان التركي صوت لتمديد بقاء القوات التركية داخل الاراضي العراقية الى عام آخر، ووصفت الحكومة العراقية هذا التصويت بخطوة "إستفزازية وتؤثر على العلاقات الثنائية بين البلدين". وقابله البرلمان العراقي بقرار رفض قرار البرلمان التركي مع تأكيد رفض توغل القوات التركية ورفض تواجد اي قوات اخرى في الاراضي العراقية وطالب باستدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه مذكرة احتجاج، والزم الحكومة اتخاذ كافة الاجراءات القانونية والدبلوماسية المطلوبة لحفظ سيادة العراق وإعادة النظر في العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا. كما تضمن القرار توجيه الحكومة بخطوات سريعة لمطالبة الأمم المتحدة ومجلس الامن وجامعة الدول العربية باتخاذ الاجراءات لإخراج القوات التركية وعلى الحكومة العراقية اعتبار القوات التركية داخل الاراضي العراقية قوات محتلة ومعادية واتخاذ ما يلزم بالتعامل معها واخراجها من الاراضي العراقية اذا لم تستجب للمطالب العراقية والطلب من الجهات القضائية المختصة بتحريك الدعاوى القضائية لمحاسبة المطالبين بدخول القوات العراقية وإطلاق التصريحات المساندة والمبررة لوجودهم، فضلا عن ان البرلمان "يرفض ويدين تصريحات الرئيس التركي اردوغان ويجد انها تثير الانقسام بين مكونات الشعب العراقي".
ما يصب الزيت او يعمل على اشعال نيران، اضافة الى خطوات اردوغان وتصريحاته، ما يقوم به نائب رئيس وزراء تركيا نعمان قورتولموش، في وجهات خطابه ونشاطاته المعلنة، حيث يعيد ما اراده اردوغان حول التغلغل العسكري، والتدخل في الشؤون الداخلية، ضمن سلسلة تصريحات وصفتها الحكومة العراقية بالاستفزازية، ايضا. كما اعلانه وهجومه على دول اخرى في المنطقة واتهامها بأسباب ما تقوم به حكومته وإصرارها على التدخل والتوسع الجغرافي، مصحوبا بنشر وسائل اعلام محسوبة لخريطة جديدة لتركيا وامتداداتها الخارجية على حساب الاراضي السورية والعراقية..
كل هذه التصريحات والخطابات والنوايا تدفع الى ان المنطقة مقدمة على اخطار جديدة بعد "داعش" وان دورا تركيا ـ اردوغانيا واضحا فيها.