[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
فيما يقود الإعلام الإسرائيلي في الفترة حملة واسعة ضد السياسيين الفلسطينيين والعرب الآخرين والمنظومة الإعلامية العربية باتهامهم جميعاً بأنهم يصبون كل اهتمامهم على التحريض وإثارة الكراهية ضد إسرائيل، وهي عبارة كثيراً مايرددها أوفير جنتلمان المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي في حواراته مع هيئة الإذاعة البريطانية، لاعباً بذلك دور البريء من دم ابن يعقوب، والداعية الهمام للسلام في الشرق الأوسط .
إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي العربية، وفي نفس الفترة تداولت نموذج كاريكاتير يحمل في مضمونه الكثير من المعاني السياسية العميقة تشرح نفسها يظهر حقيقة ما يحشو به الإسرائيلي لأطفاله من حقد على العرب عامة والفلسطينيين
خاصة، حيث يجسد الكاريكاتير عبر حوار بين طفلين فلسطيني وإسرائيلي هذه الحقيقة، فيقول الطفل الإسرائيلي للطفل الفلسطيني: " حدثني أبي أنكم العرب أشراراً إرهابيين وغير آدميين " ، فيرد عليه الطفل الفلسطيني : " أما أنا فلم يخبرني أبي بشيء لأن أباك قتل أبي " .
ورغم بلاغة وعمق هذا الكاريكاتير في الرد على الدعاية الإسرائيلية، وفي ظل نشاط الإعلام الإسرائيلي في مسيرة تشويه صورة العربي ، تلك الهجمة المتكاملة مع غيرها من رسائل إعلامية غربية أخرى، والمدعومة ببعض الممارسات الفردية لبعض المتفلتين من العرب الذين يخوضون معارك في غير ميادينها، تبدو رسالة الإعلام الاجتماعي العربي مازالت متقوقعة في الماضي العسكري للمواجهات الميدانية للصراع العربي الإسرائيلي.
بينما يدير الإعلام الإسرائيلي الرسمي والاجتماعي حملة بعيدة النظر عميقة الأهداف وخبيثة في مضامينها، أبرزها العزف على أوتار السلام القادرة على ترقيص المخدوعين في المجتمع الدولي، وإظهار الفلسطينيين والعرب بأنهم أعداء السلام ، وأنهم يبثون رسائل الكراهية، وأنهم إرهابيون، وأن الإسرائيليين هم دعاة السلام ... وهذا هو منتهى الخبث في (التحريض المضاد) الذي يقوده الإعلام الإسرائيلي ضد ما أسماه (التحريض والكراهية ) في الإعلام الفلسطيني مع قدرة فائقة على مخاطبة المجتمع الدولي بمختلف لغاته.
ولكن بالنظر على كاريكاتير الإعلام الاجتماعي العربي ، يبدو ان الذهنية العربية التي صاغت فكرته ووضعت حواره مدركة تماما لمحتوى التحريض المضاد، والتشويه المقصود الذي تحرص اسرائيل فيه على وصف الشخصية العربية بالإرهابية وصفاً، وسلوكا ضده بالضرورة أن يدفعه للتعامل بالمثل، ولربما تكشف الأيام في القريب العاجل بأن كافة ما يقع من أعمال تفجيرات وعنف تبناها عرب ورأها في الأصل أجهزة مخابرات لايستبعد تمويل إسرائيل لفكرتها وخططها ... هذا لو ظللنا نؤمن بنظرية المؤامرة وقوتها.
وعليها وكيفما كان كاريكاتير الإعلام الاجتماعي العربي المشار إليه هنا، يتسم بالعمق في محتواه مع محدودية انتشاره، وكيفما كان عمق وخبث حملات تشويه الشخصية العربية في محتوى الإعلام الإسرائيلي، إلا أن هذا الكاريكاتير يظل مجتراً لذكرى الكثير من المذابح والمجازر الإسرائيلية ضد العائلات الفلسطينية والتي أبادت بالفعل الآلاف من الآباء الذين أشار لهم الكريكاتير .
ومن أبرز تلك المجازر، مذبحة دير ياسين التي نفذتها جماعتا أرجون وشتيرن الصهيونيتان غرب القدس وضحيتها أكثر من ثلاثمائة فلسطيني في عام 1948 ، ومذبحة عين الزيتون في نفس العام وضحاياها المائة من الأسرى الفلسطينيين على يد الهجانة الإسرائيليين، ومجزرة قبية وقتلاها التسعة وستون فلسطينيا عام 1953 ، ومذبحة كفر قاسم ذات التسع وأربعين ضحية بعام 1956 ،ومذبحة الحرم الإبراهيمي التي قتل فيها تسعة وعشرون وجرح مائة وخمسون من المصلين الفلسطينيين عام 1994 ، ومذبحة قانا عام 1996 ذات المائة وستة قتلى من المدنيين الذين تحصنوا بالمبنى التابع للقوات الأممية في قرية قانا وضربتهم إسرائيل ، وحديثا العدوان على قطاع غزة 2008 ، 2012 و2014 ليصل عدد ضحاياه أكثر من ألف وستمائة قتيل.
وبهذا يظل الإعلام هو الوسيلة الأقوى حتى الآن لتسليط الضوء على حق الفلسطينيين في الحياة والتذكير بضحاياهم وأهمية قضيتهم ، فيما ينبغي أيضا حسن استخدامه خصوصا الاجتماعي منه لبث الرسائل الإيجابية الهادفة للإسهام في العمليات التنموية في المجتمعات العربية وتعزيز قدراتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتعظيمها دون تفريط أو تغليب قضايا على أخرى، وذلك وفق أهمية كل مرحلة.

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]