[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
.. وبعد أن أعياهم البحث عنه، هاهم اللبنانيون ينتخبون رئيسا لجمهوريتهم الجنرال ميشال عون في مايشبه العرس، وكأنهم كانوا بشوق إلى يوم كهذا وإلى خيار استحق كل هذا الانتظار الطويل بعد أكثر من سنتين ونصف.
جلست متأملا مشهد الانتخابات في المجلس النيابي، فعادت بي الذاكرة إلى اليوم الذي قابلت فيه الجنرال عون ( رئيس الجمهورية) قبل ثمانية وعشرين عاما. كان ذلك في العام 1988 حين كان لايزال قائدا للجيش اللبناني، وكانت الأحداث اللبنانية مازالت قائمة، ورئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل، كان عليه ان ينهي عهده في تلك السنة، ولم يكن واضحا إذا ماكان له بديل.
في تلك الأثناء كانت العيون على الجيش اللبناني وتحديدا على قائده الجنرال عون. يومها اخترت الحوار معه، ولعلي، ربما، أول من التقاه في منزله المتواضع. يومها كانت يده مكسورة وكان بلباس الرياضة ويضعها فوق وسادة تتحرك كيفما تحرك.
كان قد أرسل الجنرال أحد ضباطه لنقلي إلى داره، حيث كان مكتبي في بيروت الغربية، كما كانت تسمى في تلك الأيام، مما يعني أن بيروت كانت مقسومة بين شرقية وغربية. أذكر أنه كان في ذروة حماسه، وكان واضحا أن ثمة دورا يستعد له، في ظروف تتهيأ من أجله.
في ذلك الحوار الذي مازلت أذكر القليل منه، وصل اثناء نشره إلى أكثر من صفحة جريدة، تمحور الحديث عن وضع لبنان وحول الأزمة اللبنانية وخيارات الخروج منها .. وأذكر أني سألته إذا كان ثمة بديل سوف ينتخب مكان أمين الجميل، فقال بكثير من التوازن إنه ربما، ثم سألته عما سيكون عليه الوضع اللبناني إذا لم ينتخب البديل الرئاسي، فأجاب أن هنالك حلا، وحين سألته عن هذا الحل قال سترونه في وقته .. وأذكر أني أصريت على الاستيضاح أكثر حول كيفية تعبئة الفراغ إذا ماوقع بعد انتهاء عهد الرئيس الجميل سائلا حول خطواته في هذا الصدد فأجاب بأنه لن يسمح بالوصول إلى الفراغ وأن الجيش مكلف اذا ماغاب رئيس الجمهورية أن يلعب دور المحافظة على البلد .. وهنا سألته عما إذا كان سيعلن البلاغ رقم واحد فاجاب لابد ان يكون للجيش دوره في هذا الصدد.
كان ذلك على مااعتقد قبل شهرين تقريبا من اليوم الموعود، وهو آخر يوم في عهد الرئيس أمين الجميل، حيث لم يكن هنالك قد تم الاتفاق على رئيس بل لم تسمح ظروف البلاد ذلك. في تلك الليلة الأخيرة، بل الساعات الأخيرة من عهده، جلس الرئيس الجميل في مكتبه يحتسي الكونياك ويقلب الأمور والبدائل، إذ ليس من الممكن وقوع فراغ رئاسي وسط أحداث كبرى تحتاج لرأس يدير البلاد المتشعبة الأحداث المنقسمة على بعضها، وفي منتصف الليل ، كانت المفاجأة حين استدعى الجميل الجنرال عون وقام بتسميته رئيسا للوزارة ، ثم رحل من القصر الجمهوري الى بيته.
كانت المفاجأة صاعقة على لبنان واللبنانيين، فلقد كان هنالك رئيس وزراء للبنان معين هو الدكتور سليم الحص، هكذا أصبح للبنان رئيسي وزراء وهذا لم يحدث في أي بلد في العالم . وفيما كانت الأمور تسير بشكلها السريالي، كان الجنرال عون قد حول القصر الجمهوري إلى " بيت للشعب " كما سماه، وبدأ من خلاله يطل بآرائه وافكاره التغييرية والحماسية، وسط شعبية لامثيل لها كانت تأتي إليه يوميا، بل انها كانت تصل الليل بالنهار حول محيط القصر. وحين اجتمع النواب اللبنانيون في الطائف بالسعودية من اجل الاتفاق على إنهاء الحرب اللبنانية وتوصلوا إلى وثيقة تفاهم واتفاق، رفضها الجنرال عون ..
مرت الأيام والجنرال لايبارح القصر الجمهوري ، وفي الثالث عشر من شهر اكتوبر ، تمت الإغارة على القصر من قبل الطائرات السورية وحدثت معركة كبرى بعد هجوم بري عليه، مالبث الجنرال أن لجأ إلى السفارة الفرنسية سافر بعدها إلى باريس حيث أمضى خمسة عشر عاما كاملة عاد بعدها الى لبنان ليلعب دورا سياسيا مميزا اكتسح بشخصه جمهورا واسعا، دون أن يتراجع عن فكرة رئاسته للبلاد التي حققها في النهاية وينتظر منه الكثير اعتمادا على مفاهيمه المختلفة التي يعول عليها وهي الصدق والالتزام بتحقيق مايصبو إليه الشعب اللبناني الذي تعب كثيرا من أزمات داهمته ومن قوى سياسية لم تحترم العلاقة معه ومن الفساد الذي استشرى. ولاشك أن أمامه مهمات كبرى تحتاج إلى جهد حثيث .. فهل يكون عهده نقلة نوعية في كل التاريخ اللبناني وهو صاحب التيار الذي عنوانه الإصلاح والتغيير.