حالة التفاؤل التي عبَّر عنها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجهة الوضع الجديد لكيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، في ظل التحولات الخطيرة والكارثية التي تشهدها دولها، تعكس الوجه الحقيقي لما سمي زورًا بـ"الربيع العربي" من حيث إنه لم يكن إلا سبيلًا لتصفية القضية الفلسطينية واستكمال مشاريع توسيع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة، والتطبيع المجاني وإقامة علاقات طبيعية على حساب القضية الفلسطينية وعلى حساب استقرار المنطقة وتنميتها وتقدمها وتطورها؛ وتدمير كل من يقف في وجه هذا المشروع، سواء كان دولة ـ كما هو حال العراق وليبيا وسوريا ـ أو قوى مقاومة ـ كما هو حال القوى المقاومة في فلسطين ولبنان ومحاولة تدميرها ـ أو كانوا مواطنين، ولعل ما يُفعل اليوم بحق هؤلاء الممانعين والمقاومين للاحتلال الإسرائيلي، والداعمين بقوة للقضية الفلسطينية وللحق العربي لهو أبلغ دليل، وبات ساطعًا كسطوع الشمس في رابعة النهار، حيث يستمر التدمير الممنهج للبنى الأساسية وللإنسان، وخنق النفَس المقاوم والقومي والعروبي، وتدمير مفهوم الدولة القومية والوطنية، والعمل على تقسيمها إلى كيانات طائفية ومذهبية.
لقد ارتكزت حالة التفاؤل لدى نتنياهو على نتيجتين أكدهما بلسان إسرائيلي مبين؛ الأولى هي أن العديد من الدول العربية لم يعد يرى في "إسرائيل" عدوًّا له، بل حليفًا في مواجهة ما وصفه بـ"الإرهاب الإسلامي". أما الثانية ـ وعلى صعيد تحقيق السلام ـ فقد اعتبر نتنياهو أن المنطقة قد اختلفت، حيث لم يعد السلام مع الفلسطينيين شرطًا للسلام مع العرب، بل صار السلام مع العرب سبيلًا للسلام مع الفلسطينيين.
طبعًا في ظل هذا الوضع الكارثي الذي خلفه طوفان ما سمي زورًا بـ"الربيع العربي" يحق لنتنياهو أن يتباهى ويفخر وليس يتفاءل فقط، وهو يشاهد كيانه المحتل وحلفاءه الاستراتيجيين يقطفون ثمار مخطط هذا "الربيع" المزعوم، فقبل تفجير هذا المخطط، مثلت مسألة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني وفق المعاهدات وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والمطالبة بوقف الاستيطان عبئًا كبيرًا، وتسببت في الكثير من المفاصل والمحطات في إحراج كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه عربيًّا ودوليًّا، وأثارت الانتهاكات وجرائم الحرب الإسرائيلية بحق القدس والمسجد الأقصى وبحق الشعب الفلسطيني انتفاضات وهبَّات فلسطينية، وهيجت المشاعر العربية ضد الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه. أما اليوم فيرى نتنياهو وكيانه وحلفاؤه أن همًّا كبيرًا قد انزاح عن كاهلهم وجثم على صدورهم طويلًا، وبإمكانهم أن يناموا قريري العين، وأن يشاهدوا العرب والمتلفعين بالإسلام يقتلون بعضهم بعضًا، ويدمرون أوطانهم نيابة عن المستعمرة الكبرى المسماة "إسرائيل" وباسمها وباسم الولايات المتحدة وأوروبا.
يحق لكل إسرائيلي وصهيوني وحليف أن يفخر ويتباهى ويشرب نخب نجاحه في تدمير الدول العربية التي يراها خطرًا على مشروعه الاحتلالي وتوسعه، وقوة رادعة لمخططه بتصفية القضية الفلسطينية، وكذلك نجاحه في تغيير معادلة لطالما اشتغل عليها كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه منذ النكبة عام 1948م وتتمثل في احداث الخلل الفادح في ميزان القوى العسكرية، حيث بنت الحكومات الإسرائيلية على مدار ما يقارب سبعة عقود استراتيجياتها على هذا العامل، كثابت يمكن الحفاظ عليه بفضل الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الغربي، لا سيما الأميركي، وعسكرة المجتمع الإسرائيلي، والحرص على أن يكون التفوق العسكري في المنطقة حصرًا لدى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وهي معادلة ثبت فشلها، فرغم التفوق العسكري لم يستطع هذا الكيان المحتل أن يحرز نصرًا عسكريًّا كاملًا أو يفرض حلًّا سياسيًّا، وقد بدت تتوالى صور انكشاف الفشل وتعلو معها مخاوف الزوال لا سيما بعد العام 2000م وصيف عام 2006م وما تلاهما في فلسطين المحتلة. لذلك كان لا بد من التفكير مليًّا في وسائل تحافظ على التفوق العسكري الإسرائيلي وتحفظ أمنه وبقاءه، وهذا ما تمثل في "الحريق العربي" وليس "الربيع العربي"، وتعميق الشرخ الطائفي والديني والمذهبي في المنطقة، وإدخال شعوبها في أتون حرب طائفية ومذهبية مدمرة، يكتفي أصحاب مخطط "الحريق" بإدارته وتقديم ما يحتاجه من وقود وخطط وأفكار تحافظ على اشتعاله.