[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” الدروس المستخلصة من الإجراءات النقدية التاريخية التي اتخذتها روسيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي: أولا: بدأت الحرب الاقتصادية الساخنة تحل تدريجيا محل الحرب الباردة التقليدية التي كانت إيديولوجية وانتهت في أول أيام سقوط جدار برلين منذ ثلث قرن ، حيث تصارع العملاقان على أسس عقائدية وعلى بسط الهيمنة وخلق مناطق نفوذ، وانقسم العالم إلى غرب ليبرالي وشرق شيوعي على مدى سبعين عاما من السباق نحو التسلح.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيمة صرف الدولار بالنسبة لليورو يوم الاقتراع على انتخاب الرئيس الأميركي القادم (أو الرئيسة القادمة) يوم الثامن من نوفمبر 2016 ستساهم في رفع أسهم هذا أو تلك في الاقتراع وذلك لسبب واضح وبسيط وهو أن المجتمع الأميركي مجتمع اقتصادي بالدرجة الأولى تدخل في اعتباره وتقديره قيمة عملته الأسطورية التي يسميها حسب لونها بالخضراء ويهم المواطن الأميركي أن يكون دولاره أقوى العملات أي أن تكون الولايات المتحدة حسب هذا المؤشر النقدي أقوى دولة في العالم من حيث هيمنتها التقليدية على مصير الاقتصاد العالمي. وكما يعلم الناس فإن قيمة صرف الدولار مرتفعة منذ حوالي ستة شهور وتقترب تدريجيا من قيمة اليورو (المنافس الشرس للدولار) وهو ما سيخدم حتما المرشحة الديمقراطية السيدة هيلاري كلنتن في الانتخابات لأن هذا المستوى المشرف للعملة الأميركية محسوب للحزب الديمقراطي ولباراك أوباما رغم أن الظروف الدولية هي التي كانت وراء هذا الارتفاع وأن الخزينة الفيدرالية الأميركية هي المحرك الأساسي لرفع قيمة الدولار. هذه القيمة تاريخية لأنها تحققت أثناء 2016 في عز تورط واشنطن في حروب الشرق الأوسط بانخراط الجيوش الأميركية في أزمات سوريا والعراق وليبيا وقبل ذلك في أزمة أوكرانيا مما وضع أميركا في مواجهات خطيرة وحرب عالمية ثالثة محتملة مع روسيا وربما الصين كما تحقق ارتفاع الدولار أيضا بعد مرحلة الأزمات الخطيرة التي هزت الاقتصاد الأميركي في 2008 وأصابت العدوى الأميركية كل هياكل الاقتصاد العالمي من 2008 الى اليوم، وهو ما وصفته كل من الصحيفتين الاقتصاديتين الأكبر في الاتحاد الأوروبي: ليزيكو الفرنسية وفايننشل تايمز البريطانية "بالهوة التاريخية أو الرقم القياسي التاريخي". وتلاحظ الصحيفتان أن الأخطر اليوم على الولايات المتحدة هو أن تتفاقم الأزمة بين واشنطن والرياض بسبب التلويح السعودي والخليجي عموما بسحب المخزون المالي المودع بالمصارف الأميركية.
القوى الاقتصادية والنقدية العالمية بدأت تعيد حساباتها وتراجع سياساتها أمام العملة الخضراء التي اعتبرت منذ الحرب العالمية الثانية " قاطرة العملات" أي الميزان الوحيد والدائم لأسواق الصرف وحركات التجارة العالمية ومستوى مصداقية المصارف. فهذه روسيا الاتحادية تعلن يوم الثلاثاء الماضي عن إجراءات لتدعيم مخزونها من اليورو ( وهو يبلغ في العام الحالي 113 مليار يورو، حيث تضاعف خلال الثمانية أشهر الماضية، بعد أن كان لا يتجاوز 56 مليار يورو)، ويتدعم مخزون روسيا من الدولار كذلك باستمرار ليوازي المخزون الأميركي! أما المصارف الأوروبية المجتمعة الأسبوع الماضي في البنك المركزي الأوروبي بفرانكفورت فإنها أعلنت أنها ستعمل على تجميد أرصدتها من الدولار وتعويضها تدريجيا بعملات أخرى مثل الين الياباني واليوهان الصيني.
وقد تأكدت هذه التحولات النقدية الدولية بصدور تقرير المعهد الأوروبي للنشاطات المصرفية الذي يشير بوضوح إلى عمليات التحول عن الدولار التي تقوم بها المصارف الأوروبية، وتقول السيدة/ لينا مورتنجن خبيرة الشؤون المالية والتي شاركت في تحرير التقرير بأن هذه الإجراءات سوف تستفيد منها كل العملات الأخرى وليس اليورو وحده. وفي هذا المناخ الصعب والمضطرب شرعت المرشحة الأميركية الأوفر حظا السيدة هيلاري كلنتن في الإعلان عن حزمة من الالتزامات والتعهدات التي فرضتها الحملة الانتخابية والتي تتعلق بالتصدي لسقوط الدولار.
الدروس المستخلصة من الإجراءات النقدية التاريخية التي اتخذتها روسيا والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي: أولا: بدأت الحرب الاقتصادية الساخنة تحل تدريجيا محل الحرب الباردة التقليدية التي كانت إيديولوجية وانتهت في أول أيام سقوط جدار برلين منذ ثلث قرن ، حيث تصارع العملاقان على أسس عقائدية وعلى بسط الهيمنة وخلق مناطق نفوذ، وانقسم العالم إلى غرب ليبرالي وشرق شيوعي على مدى سبعين عاما من السباق نحو التسلح. ثانيا فإن المعطيات الدولية تغيرت بشكل كامل، ولم يعد الصراع إيديولوجيا كما قال / فوكوياما في كتابه:" نهاية التاريخ" لكنه أصبح اقتصاديا، وهو تحول كبير لافت في العلاقات الدولية يجب علينا نحن العرب أن نقرأه ونتتبع مضاعفاته حتى لا نفاجأ بالتغييرات تهاجمنا ونحن في سنة من النوم. فالإجراءات الحمائية التي اتخذها الاتحاد الأوروبي وروسيا وبشكل آخر اليابان تدل على بداية حرب باردة. والذي يدور هذه الأيام في مواجهات الموصل وحلب الشهيدة وكذلك في أوكرانيا هو جزء من الحرب الاقتصادية الساخنة بسبب وجود الطاقة والمعادن والموقع الجغرافي المتميز لهذه البقاع من العالم. ثم انظر أيها القارئ الكريم إلى الصراع المفتوح بين شركتي ايرباص وبوينج وبين اليورو والدولار وبين شركات بيع الأسلحة فهو صراع يصل إلى حد الحرب الخفية والتي تستخدم فيها كل الوسائل فستكتشف بأن العلاقات بين ضفتي المحيط الأطلسي ليست باللون الوردي الذي يقدم لنا بل إن مزيد اكتساب مناطق النفوذ السياسي وغزو الأسواق وتأمين التجارة هما أولوية المشاغل والمخططات لدى الجميع.