** انزعاج إسرائيلي من المقاطعة الأوروبية لمنتجات المستوطنات

** مقاطعة المستوطنات سلاح دولي أمام صلف إسرائيل

إعداد مكتب «الوطن» بالقاهرة وفلسطين:

تعد المستوطنات الاسرائيلية العائق الاكبر لبناء السلام في الشرق الاوسط، فهي مبرر وجود الاحتلال ومحركه. ولم تجدِ نفعا ثلاثة عقود من الاعتراضات الاميركية والاوروبية والعربية.
وأشار تقرير إسرائيلي إلى أن 78% من المناطق العسكرية المغلقة التي أعلنها الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة بهدف إجراء مناورات لا تستخدم لهذا الغرض إنما تستغل لتوسيع المستوطنات المحيطة بها . وقدر التقرير حجم هذه المناطق التي يحرم على الفلسطينيين دخولها وفلاحتها بمليون و765 ألف دونم أي ما يعادل ثلث مساحة الضفة الغربية وأكثر من نصف مساحة المناطق المصنفة "ج" الخاضعة أمنيا ومدنيا بالكامل للاحتلال . وأشار التقرير إلى أن الأراضي التي أقيمت عليها المستوطنات التي تقدر بأكثر من نصف مليون دونم تعد أيضاً مناطق عسكرية مغلقة في وجه الفلسطينيين . وأوضح أن 348 ألف دونم من الأراضي التي تعد مناطق عسكرية مغلقة أعلن عنها أنها أراضي دولة وقد يستغل منها نحو 35 ألف دونم في المستقبل لتوسيع مسطحات المستوطنات القائمة . وأضاف التقرير إن نحو 14 ألف دونم من الأراضي التي أعلنت مناطق عسكرية مغلقة يزرعها مستوطنون بينما يحرم الفلسطينيون من العودة إلى أراضيهم واستغلالها .

قنبلة المستوطنات

بدأت مشروعات الاستيطان الإسرائيلي مباشرة بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967 ففي صيف ذك العام أقيمت أول مستوطنة جنوب الضفة وهي كفار عتصيون , ثم توالى بناء المستوطنات وبين عامي 69 و70 أقيمت مستوطنتا روش تسوريم وألون شفوت . وبعد حرب أكتوبر 73 ومع صعود اليمين إلى سدة الحكم في إسرائيل بدأت المستوطنات التوسع وشهد العقد الأول بعد نكسة 67 إقامة معظم المستوطنات بغور الأردن ومن أبرزها معالي أدوميم عام 75 . كما أقيمت في السنوات التالية مستوطنات عدة منها مستوطنتا مجدال عوز وكريات أربع في الخليل اللتان أقيمتا عام 77. وقد بنت إسرائيل منذ احتلال الضفة الغربية 196 مستوطنة تشمل مستوطنات القدس إلى جانب نحو مئة بؤرة استيطانية عشوائية ويسكن تلك المستوطنات ما يزيد على نصف مليون مستوطن . ويمتد البناء في المستوطنات على مساحة تقدر بـ196 كيلومترا بينما تقدر مناطق نفوذ المستوطنات بـ45 كيلومترا . وقد تضاعف مشروع الاستيطان ثلاث مرات منذ مؤتمر مدريد الذي أطلق عملية التفاوض مع الفلسطينيين وارتفعت وتيرة الاستيطان بالضفة العام الماضي وحده بنسبة 41% . وتحاط مدينة القدس وحدها بـ15 مستوطنة ويسيطر المستوطنون على 71 بؤرة استيطانية في البلدة القديمة بالقدس التي لا تتجاوز مساحتها كيلومترا مربعا ويسكن هذه البؤر 4500 مستوطن . يذكر أن السلطة الفلسطينية تبسط سيادتها الأمنية والمدنية الكاملة على 18% من مجمل مساحة الضفة وتعرف بمناطق ( أ ) حسب تعريف اتفاق أوسلو بينما تتمتع بالسيادة المدنية فقط على 21% وتعرف بمناطق (ب) ويسيطر الاحتلال بالكامل على 61% من أراضي الضفة والتي تشمل المستوطنات وتعرف بمناطق (ج ) .

سلاح المقاطعة

أيدت عدة دول أوروبية بينها بريطانيا وألمانيا وفرنسا وهولندا تبني تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في غزة . ورغم الخطر الذي تستشعره إسرائيل من أثر هذا التقرير على ميل المحكمة الجنائية الدولية نحو التحقيق في هذه الجرائم فإنها تخشى خطرا لا يقل عنه وهو تعزيز جهود مقاطعة إسرائيل في أوروبا خاصة مقاطعة المستوطنات ومنتجاتها . وقد مضى الوقت الذي كانت فيه حكومات إسرائيل تستخف بهذا الخطر وصار كثيرون من القادة يعتبرون المقاطعة الاقتصادية والثقافية خطراً وجودياً . وفي إطار ترجمة هذا الخطر إلى معطيات ملموسة فإن البنك المركزي في إسرائيل نشر مؤخرا تقريرا يحذر فيه من اهتزاز العلاقة الاقتصادية مع أوروبا وهي الشريك التجاري الأكبر لها . وبديهي أنه ليس ثمة تكافؤ بين إسرائيل وأوروبا في هذه الشراكة . إذ أن أوروبا هي الشريك التجاري الأول لإسرائيل , في حين أن إسرائيل لا تحتل سوى المكان 28 في الترتيب الأوروبي للشراكة التجارية . ولا تشكل الواردات الأوروبية من إسرائيل إلا 0.7 في المائة . في حين أن الصادرات إليها أيضاً ليست أكثر بكثير من واحد في المائة. والصورة مغايرة تماماً من الجانب الإسرائيلي حيث تصدر إسرائيل لأوروبا 30 في المائة من صادراتها وتستورد 41 في المائة من وارداتها . عموما ينبع تحذير البنك المركزي أساساً من إدراك لواقع أن انعدام أفق التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين واستمرار الاستيطان كفيل بتعميق الأزمة وتوسيع المقاطعة التي بدأت بمنتجات المستوطنات . وإذا ما نفذت أوروبا تهديدها بمقاطعة منتجات إسرائيل فإن تقرير بنك إسرائيل يشير إلى حجم الخسائر المتوقعة. وهو يبين أن سيناريو مقاطعة إسرائيل بالكامل يعني ضرب الصادرات الإسرائيلية البالغ قيمتها 22 مليار دولار ، وهو ما يعني مساسا بالناتج القومي العام لإسرائيل بحوالي 40.35 مليار شيكل وتسريح حوالي 36 ألف مستخدم . أما في حال استمرار المقاطعة بشكل طوعي للمنتجات الإسرائيلية أو تنفيذ وضع شارات على بضائع المستوطنات فإن الضرر على الصادرات يقدر بـ 1.7 مليار شيكل وتراجع الناتج القومي العام بحوالي نصف مليار شيكل وتسريح 435 عاملا .

بحث عن شركاء

في ظل منهج الغطرسة الذي تنتهجه حكومة بنيامين نتنياهو فإن هناك ميلاً لإظهار أن لدى إسرائيل بديلا لأوروبا وهو التوجه نحو آسيا . وهذا ما تجلى في المحاولات الإسرائيلية الجادة لتحسين العلاقات مع دول آسيا، خصوصاً اليابان والصين والهند لخدمة الاستيطان وصادرات المستوطنات . وتدعي أوساط إسرائيلية أن الميل لتنويع الشركاء الاقتصاديين يهدف أساساً إلى تقليص الركون إلى الشريك الأوروبي الذي بات يثقل على إسرائيل بمطالبه السياسية . ولكن لا خلاف بين الخبراء الاقتصاديين في إسرائيل حول واقع أن ما تعلنه حكومة الاحتلال لا يعني بالضرورة القدرة على تنفيذه وإذا توفرت القدرة فإن الأمر مستحيل في المدى القريب . وهناك وعي كامل لدى الخبراء بأن لجوء أوروبا إلى فرض نظام عقوبات على إسرائيل يلحق بالأخيرة أضرارا واسعة . ويشدد هؤلاء على أنه خلافا لمزاعم نتنياهو ليس بوسع إسرائيل في المدى المنظور أن تبعد الخطر الأوروبي عن طريق تحويل توجهاتها نحو أسواق آسيا ودول أخرى . ومشكلة إسرائيل أن غالبية بضائعها إلى أوروبا منتجة في شركات متعددة الجنسيات تقيم مراكز في إسرائيل أو شركات إسرائيلية لها فروع في أوروبا . لذلك فإن تطوير المقاطعة يشكل ضررا بإنتاج هذه الشركات في أوروبا . كما أنه يصعب على إسرائيل إيجاد بدائل آسيوية لأسواقها الأوروبية ما يجعل التهديدات الإسرائيلية بالتبادلية فارغ المضمون . وهذا يجعل من الكلام عن أن التجارة مع آسيا أقل حساسية لإسرائيل من التجارة مع أوروبا أقرب إلى شيك من دون رصيد . ومن الواضح أن تبادل العقوبات بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي يعني في جوهره شل الصادرات الإسرائيلية مقابل احتمالات نشوء صدامات بين قوى لها مصالح في التجارة مع إسرائيل وحكومات بلادها والفارق واضح في غير مصلحة إسرائيل . وربما أن الأمر وجد تعبيراً له في كلام وزير المالية الإسرائيلي السابق يائير لبيد حين أكد أن على الأوروبيين الذين سيقاطعون منتجات المستوطنات أن يميزوا بين ما إذا كانت منتجة في معاليه أدوميم أو في نهاريا بوضع إشارات على منتجات المستوطنات مما سيقود فعلياً إلى مقاطعة شاملة للمنتجات الإسرائيلية . وفي نظره فإن الأوروبي المقاطع حينها سيقول لا أريد بضائع إسرائيلية أي كان مصدرها وهو ما سيلحق الضرر ب30 % من صادرات دولة الاحتلال الاسرائيلي .

إنجازات جديدة تحققها حركة المقاطعة بأوروبا وأميركا الشمالية

حققت حركة مقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) العديد من الإنجازات الهامة في أوروبا وأمريكا الشمالية خلال الأيام الماضية، بما فيها تأييد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ودعم الحق في مقاطعة إسرائيل، وتأييد حركة المقاطعة (BDS).
وقالت الممثلة الأعلى للاتحاد الأوروبي في مجال العلاقات الخارجة فيديريكا موغيريني: "يقف الاتحاد الاوروبي ثابتاً في حماية حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات انسجاماً مع ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، والتي تنطبق على أراضي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك ما يتعلق بجهود BDS التي تقام على هذه الأراضي".
ويعد هذا الإقرار من قبل الاتحاد الأوروبي صفعة جديدة للحرب المفتوحة التي تشنها دولة الاحتلال وحليفاتها ضد حركة المقاطعة، بما في ذلك الحرب القانونية والاستخباراتية والدعائية ضد الحركة وتهديد ناشطيها بـ"الاغتيال المدني" وبالمنع من السفر وغيرها من الإجراءات القمعية.
كما ويأتي موقف الاتحاد الأوروبي استجابة لضغوط من قبل عشرات أعضاء البرلمان الأوروبي ومئات الأحزاب والنقابات وهيئات المجتمع المدني الأوروبي دفاعاً عن الحق الديمقراطي في تأييد حركة المقاطعة BDS. هذا وكانت حكومات السويد وهولندا وإيرلندة ومنظمة العفو الدولية والفدرالية العالمية لحقوق الإنسان وغيرها قد دافعت عن الحق في مقاطعة إسرائيل لتحصيل حقوق الشعب الفلسطيني كجزء من حرية التعبير.
وفي السياق، أعلن حزب الخضر في كيبيك، كندا، تأييده لمعظم نداء المقاطعة BDS وللمقاطعة الأكاديمية والثقافية والعسكرية والاقتصادية لإسرائيل حتى تنهي الاحتلال ونظام الفصل العنصري(الأبرتهايد). كما ندّد الحزب بالإجراءات غير القانونية والقمعية التي تتبعها دولة الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني، مؤكداً على ضرورة حماية الحق في المقاطعة.
وفي الولايات المتحدة، تبنى مجلس طلبة جامعة بورتلاند (ولاية أوريغون) بأغلبية كبيرة قراراً يدعو الجامعة لسحب استثماراتها من الشركات المتورطة في جرائم إسرائيل، وبالذات شركة الأمن وشركة الكمبيوتر والبرمجيات HP وشركة المعدات والجرافات Caterpillar وشركة التقنيات Motorola Solutions.
ويأتي هذا الإنجاز في وقت تتصاعد فيه الحرب الإسرائيلية القانونية البائسة ضد حركة المقاطعة (BDS) في عشرات الولايات الأمريكية، بدعم كبير وعشرات ملايين الدولارات من اللوبي اليهودي هناك.