[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]
” رحّبت غابلية الصحف والعديدون من زعماء الأحزاب الصهيونية بنجاح ترامب, واعتبروا فوزه, انتصارا للكيان ولسياساته الاستيطانية وتهويده للقدس, حتى أن نفتالي بينيت دعا حكومته إلى إلغاء ما يسمى بـ «حل الدولتين», ودعا إلى ضم الضفة الغربية نهائيا للكيان. كما طالب الرئيس المنتخب بتنفيذ وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس.”
أذكر أنني, وفي مقالة لي على صفحات العزيزة «الوطن» كتبتُ عن الغرائبية الأميركية, التي أصبحت سمة بارزة في المجتمع الأميركي. كان ذلك في بداية حملة الانتخابات الرئاسية. وعندما عُرف المرشحان المتنافسان. استرعى انتباهي يومها ما ذكره ترامب عن أهمية تطبيق العدالة في حلّ الصراع بين الكيان الصهيوني والشعب الفلسطيني. قال ترامب يومها وبالنص: « إن أحد الأهداف التي أصبو إلى تحقيقها في حال وصولي للرئاسة هو تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها, وأنا لا أعتقد أن هذا يمكن أن يتحقق, بتصنيف طرف بالخيِر والآخر بالشرير!». هذا, رغم تأكيده أنه موالٍ تماماً للكيان, إلا أنه أضاف: إن على الوسيط ألا يتبنى موقف طرف ضد آخر», وبهذا يكون ترامب قد غرد خارج سرب قادة الحزب الجمهوري الموالي حتما للكيان الصهيوني. إلا أنني تساءلت بيني وبين نفسي, كيفَ بإمكانه أن يكون عادلا في قضيتنا, في الوقت الذي سيجري التدقيق فيه كثيرا على دخول المسلمين إلى أميركا؟. هذا إضافة إلى عزمه ترحيل كل من ليس لديهم إقامة شرعية في الولايات المتحدة, واعتزامه بناء جدار على الحدود مع المكسيك (وعلى نفقتها!) لمنع الداخلين إلى أميركا بطريقة غير شرعية. مع استمرار الحملة الانتخابية, بدأت مثالبه في الظهور: عدم احترامه للمرأة , وتحرشه الجنسي بالعديدات! ..الخ .
ترامب ملياردير غريب الطباع, ضحل سياسيا وثقافيا, ويميل إلى استفزاز الآخرين في سلوكه. موّل حملته الانتخابية اعتمادا على ثروته. اقتحم عالم السياسة والانتخابات, وفاز على كل منافسيه المخضرمين سياسيا في الحزب الجمهوري. وها هو يصبح رئيسا فعليا للولايات المتحدة, ويحمل رقم (الرئيس الخامس والأربعون).هذا رغم كل استطلاعات الرأي الموثوقة عادةً, والتي حتى صباح يوم الانتخابات, كانت جميعها تؤكد فوز منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون. في تفسير هذا الفوز, قرأتُ الكثير من التحليلات, لكنني أميلُ إلى تفسيري الذي كتبته في المقالة السابقة, أن الأميركيين يريدون التغيير, يريدون مشاهد سياسية جديدة, تتجاوز سياسات النسخ الكربونية للرئيس السابق والأسبق, وهكذا دواليك. هم يدركون أن هيلاري كلينتون ستكون نسخة مكررة عن الرئيس أوباما في كافة المجالات. جاء ترامب ليجدد الأطروحات التقليدية ويُلبسها ثوبا بعيدا عن التقليدية, فإضافة إلى ما ذكرناه من سياسات موعودة, فإن ترامب أفهم الأوروبيين بأن لا يعتمدوا على الحماية الأميركية لدولهم. كما انتقد بشدة حلف الناتو, وهدد بإلغاء عدد من اتفاقيات التجارة الحرة, ومن بينها الاتفاقية بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك, وأكد أنه سيقوم بترحيل 11 مليون شخص من المقيمين الأجانب في أميركا بطريقة غير شرعية. وأفهم حليفات أميركا من الدول الآسيوية أن الجنود الأميركيين لن يقوموا بالدفاع عن بلدانهم. وفيما يخص الصين, فهو يدعو إلى علاقات جيدة معها, ولكن سيرفع قيمة الضرائب على البضائع الأجنبية التي تستوردها أميركا ( والنسبة الكبيرة منها بضائع صينية) بنسبة 45% من قيمة السلعة. فيما يتعلق بروسيا, فإن ترامب يكنّ احتراما لنظيره الروسي بوتين, وكما وعد مرارا بأنه سيحرص على إقامة أفضل العلاقات معه. بالنسبة للشرق الأوسط , حدد ترامب أولوياته بمحاربة الإرهاب, قائلا «ما ينبغي فعله في سوريا, هو التركيز على محاربة داعش وليس محاربة سوريا... مستطردا..إن الرئيس الأسد هو أقوى بكثير الآن عما كان عليه قبل سنوات, وإن حمله على ترك السلطة, هو أقل أهمية من هزيمة داعش».
من جانبها, رحّبت غابلية الصحف والعديدون من زعماء الأحزاب الصهيونية بنجاح ترامب, واعتبروا فوزه, انتصارا للكيان ولسياساته الاستيطانية وتهويده للقدس, حتى أن نفتالي بينيت دعا حكومته إلى إلغاء ما يسمى بـ «حل الدولتين», ودعا إلى ضم الضفة الغربية نهائيا للكيان. كما طالب الرئيس المنتخب بتنفيذ وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. من جانب آخر دعا بعض الكتاب في صحف إسرائيلية قليلة, إلى التريث في اتخاذ المواقف من ترامب, باعتبار أن الوعود الانتخابية لن تكون كلها قابلة للتنفيذ عند تسلم الحكم فعليا. معروف أن كافة المرشحين للرئاسة الأميركية في حملاتهم الانتخابية يؤكدون على نقل السفارة الأميركية في الكيان إلى القدس, لكن أحدا منهم لم يفعل ذلك لاعتبارات لا مجال لذكرها, بل تحتاج إلى مقالة خاصة.
ندرك, أنه في الحالة الأميركية, فإن الحاكم الفعلي ومُوجّه السياسات الخارجية لها, هو المجمع الصناعي - العسكري, الذي سبق للرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور, وأن حذّر منه من فرضه للسياسات على كل إدارة أميركية. كان ذلك في خطابه الوداعي للأمة (17 يناير 1961) , وقد ضمّن خطابه تحذيرا قويا من صعود « المجمع العسكري – الصناعي» الذي وصفه «بأن أهدافه هي التسليح الدائم وبأبعاد هائلة, وأن هناك احتمالاً لحصوله - سواء سعى لذلك أو لم يسع - على نفوذ غير مبرر, في أروقة الحكومة «.
يبقى القول, بالمعنى السياسي الفعلى لن يكون هناك تغيير جذري في السياسات الأميركية حول القضايا المفصلية. لربما يضفي ترامب بعض ملامحه الغرائبية على بعض السياسات, ولكن بالشكل الذي لا يضرب جوهرها. لننتظر ونرَى.