[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
”.. إذا لم يكن من صلب اختصاص المرء أن يجادل في هذه "الظاهرة" القضائية الغريبة، فإن له أن يستذكر ما تفعله الأنظمة القضائية في دول العالم المتقدمة حيال مسألة الإعدامات عامة، خاصة وأن بعض المحكومين بالإعدام في الولايات المتحدة الأميركية، من بين سواها من الدول المتقدمة، ينتظرون تنفيذ الحكم الحقيقي لثلاثين سنة أو أكثر؛”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
لست إخوانيًّا، ولا أتعاطف مع أفكار جماعة الإخوان المسلمين، بيد أني أعجز تماماً عن فهم قرار محكمة، مهما كانت "ثورية" أو "شعبية"، بإعدام حوالي 634 شخصاً دفعة واحدة بوصفه قراراً قضائيًّا طبيعيًّا مجرداً يمكن أن يقدم عليه قاضِ أو مجموعة قضاة عدول. وبرغم ما عرف عن النظام العدلي في الشقيقة مصر من مستوى عال وتوازن قديم، ليس أمام المرء إلا أن يستنتج بأن إرسال العدد أعلاه من البشر إلى المشانق إنما هو ناتج عن قوة ضاغطة هي بدرجة من تراكم الضغائن والمخاوف أنها عبرت عن نفسها بهذه الطريقة الانفعالية المكهربة.
وإذا لم يكن من صلب اختصاص المرء أن يجادل في هذه "الظاهرة" القضائية الغريبة، فإن له أن يستذكر ما تفعله الأنظمة القضائية في دول العالم المتقدمة حيال مسألة الإعدامات عامة، خاصة وأن بعض المحكومين بالإعدام في الولايات المتحدة الأميركية، من بين سواها من الدول المتقدمة، ينتظرون تنفيذ الحكم الحقيقي لثلاثين سنة أو أكثر؛ وأن بعضهم يلتمس عفواً في اللحظة الأخيرة اي قبل دخول غرفة الغاز أو الكرسي الكهربائي بدقائق، فينظر في طلبه بالكثير من التعاطف لأن أحداً لا يريد أن يتدخل في شأن يعد إلهيًّا، باعتبار أن الله فقط يمنح الحياة، وهو فقط الذي يأخذها. من هنا جاء الجدل العالمي المضاد لأحكام الإعدام، ومنه أستذكر كتاب البير كامو (المقصلة) الذي يفصل فيه حججه منح الإنسان نفسه سلطة إنهاء حياة إنسان آخر! فما بالك بحوالي مئتي إنسان دفعة واحدة: حتى "خدمات" الإعدام ستخفق إزاء هذا العدد من المعدومين ومن الجنائز التي ستخرج تترى من باب الموضع الذي سيشهد حمام الدم هذا.
ومن منظور ثان، يبقى المرء عاجزاً كذلك في مسألة قضية شعبية الإخوان المسلمين ومدياتها، مستذكراً أن الجماعة اكتسحت أول انتخابات ديمقراطية حقة في تاريخ مصر القديم والحديث، درجة تأهلها لتسمية رئيس جمهورية من بين أعضائها، أي الرئيس المعزول محمد مرسي الذي أودع السجن ولم يسمع منه أحد شيئاً يذكر، ناهيك عن نخبة قيادة الجماعة من أصحاب الملايين الذين فهموا لعبة "الانفتاح" و "الديمقراطية" التي اعتمدتها أنظمة السادات ومبارك البائدة، ليلعبونها على نحو متميز تأسيساً على نظام السوق المفتوح الذي توصي به جميع دول اقتصاد رأس المال، كالولايات المتحدة وبريطانيا، من بين سواهما من دول العالم الغربي، حيث عدت هذه الظاهرة خطوة مهمة نحو الليبرالية التي ينشدها العالم الغربي لمصر. لذا لم يزل الإعلام الغربي يتعامل مع الوضع السياسي في مصر ما بعد مرسي بحذر شديد، وهو لا يتوانى عن وصفه بأنواع النعوت غير المستحبة حسب معايير ثقافته.
لقد رصد العالم الغربي نزوعاً ليبراليًّا في ظاهرة بروز الإخوان المسلمين كأصحاب ملايين، الأمر الذي جعل ذلك العالم ينظر إليهم بطريقة تختلف تماماً عن الطريقة التي ينظر بموجبها لبقية الحركات والجماعات الإسلامية السلفية، على الرغم من التقاء معظم أفكار الجماعة مع أفكار تلك الجماعات الراديكالية. إن أفكاراً من نوع "التجديد" و"الحرب المقدسة" و" الخلافة" إنما تشكل إطاراً عاماً يجمع هذه الحركات "الإسلامية الجديدة" سوية مع الإخوان المسلمين تلك الجماعة التي انطلقت كمنظمة أعمال خيرية، ثم ما لبثت أن استحالت تياراً سياسيًّا حاول تقديم الأعمال الخيرية لشعب يعاني من الانفجار السكاني والفقر عبر الجامع وليس عبر دوائر التموين الحكومية.