[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
عندما صوت البريطانيون على الخروج من الاتحاد الأوروبي، لم ينتبه أحد إلى أن إنذارا بتغير العالم قد بدأ، إلى أن نجح ترامب في رئاسة أميركا، فصار علينا أن نقر بهذا التغيير الذي لن يقف عند حدود الدولة العظمى ، فقد يتحول إلى نهر جارف، أو قد يقف حيث مصبه الأميركي.
صحيح أن أميركا دولة عظمى كما تسمى نتيجة قدراتها العسكرية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وغيره، إلا أن قراءة بسيطة في تاريخها الطويل يقر بأنها ليست من تلك الأمم بثوابتها التاريخية المتجذرة كالصين وروسيا والهند وبريطانيا ومصر وإيران على سبيل المثال .... فلقد احدث ترامب ارتدادا قد نشهده منذ تسلمه الحكم أن هو ضبط منطلقات ترشيحه مع واقعية حكمه .. وسيكون عليه أن هو اندفع في طروحاته، أن يضع أمامه تشديد القبضة في الداخل الأميركي، وتقدم في علاقاته مع روسيا على حساب تراجعه مع الصين، طالما أنه يريد إعادة الروح للعمل الأميركي ومصانعه وإنتاجه من جديد.
أما قضية العولمة التي ذهب البعض إلى الحديث عن انتهائها، فهي أصلا لم تحقق نتائجها يوم أن تحولت إلى مشروع أممي، ظلت تصطدم بالروح الوطنية والقومية للشعوب، إذ ليس بهكذا مفهوم يتم غزو الشعوب بغية السيطرة عليها، فهي عندما تواجه تضطر إلى الانكماش لحماية ذاتها وليس الانفلاش للتفاعل كما تصور منظرون، بل إن من كتب عن نهاية التاريخ، عليه أن يعيد النظر بطروحاته، لأن العالم ينتمي إلى التطور والتحول وهو ليس أسير أي واقع جديد سوف يقف عند حدوده. لهذا، قد نجد ماري لوبان الفرنسية غدا رئيسة لفرنسا إذا افترضنا تجانسا مع قفزة ترامب إلى الحكم.
في كل بلدان العالم اليوم، إرهاصات تمسك بوطنية هويته التي هي من صميم انتمائه العرقي أو الديني أو حتى الطائفي والمذهبي .. هذا الإحساس نابع من مواجهة الخطر الذي يتهددها، فتلك التي أصابتها الأحداث لم يعد عندها سوى العودة حتى إلى شوفينية من أجل حماية الذات .. أما تلك التي تراقب هذا المشهد المتغير فلدى شعبها إحساس مشابه من أجل حماية الذات أيضا قبل الوقوع في أي حدث خطير ومصيري مشابه.
سيخرج العراق مثلا متمسكا بوحدة متعصبة حتى لو تهدده التقسيم، وكذلك الحال في سوريا بكل انفتاحاتها العروبية إلا أن استفتاء شعبيا سيرينا الانكماش على الذات السورية، وكذلك غيره من البلدان. فنحن بالتالي أمام عودة إلى التعصب الوطني، في هذه الحال مهما تردد من حلم العودة إلى القومية العربية، فإنه يبقى نداء غريبا خارج توقيته الطبيعي.
لانقول إن ترامب أحدث كل هذا، وإنما " المصنع " الأميركي الذي أغرق المنطقة العربية بهذا التلوث الخطير من الأفكار والوجود المدمر لبناها، سوف يرتد عليه، ويبدو أن لاسبيل في هذا العالم سوى الاتجاه القائل بمفهوم " أنا أولا " أي " وطني أولا " أو " عشيرتي وقبيلتي " و " طائفتي " ...الذي أطلق في أكثر من مكان وهاهو يسود المجتمعات، فيما فخ العولمة سقطت فيها العولمة ذاتها.
العالم يتغير ، ومن قال إنه ثابت حتى وهو يبدو على ثبات.