تتبدى الازدواجية الغربية المجردة من أي عقلانية أو موضوعية في أقبح صورها من خلال جملة المواقف التي يطلقها الغرب ضد سوريا وحلفائها، أو تلك المواقف التي يحاول عبرها أن يظهر ذاته أنه يحارب الإرهاب على رقعة شطرنج المنطقة والعالم، في حين أن الواقع المُشاهَد يناقض جملةً وتفصيلًا ذلك، بل إن كل التطورات الميدانية والسياسية الغربية أضحت مرآة عاكسة لفائض النفاق الغربي الذي باتت المنطقة تغرق في أوحاله ومستنقعاته التي مثَّلت في الواقع بيئة خصبة لتنامي ظاهرة الإرهاب وتزايد تنظيماته، واتساع رقعة انتشارها في العالم عامة والمنطقة خاصة، حيث أصابع الاتهام الغربية جاهزة للإشارة بها إلى ما ولد وتناسل في هذه الأوحال والمستنقعات، وتتجاهل تمامًا دورها الرئيسي في انتشار آفة الإرهاب بهذه الطريقة الوحشية والموغلة في دماء العرب والمسلمين خاصة.
وبينما لم تجد التنظيمات الإرهابية التي تناسلت في أوحال النفاق الغربي ومستنقعاته وسيلة لفك الطوق عن رقبتها والذي بدأ يضيق عليها حتى خنقها سوى الغازات السامة لتستهدف بها المدنيين في سوريا والعراق، كان التلاقي الغربي ممثلًا بالاتحاد الأوروبي حاضرًا يتابع تفاصيل عمليات الخنق المتدحرج ضد التنظيمات الإرهابية بقيادة ذراعي تنظيم القاعدة الإرهابي "داعش والنصرة"، فلم يجد هو الآخر وسيلة للضغط بها على سوريا وحلفائها لإنقاذ "النصرة" ومن معها من التنظيمات الإرهابية في الأحياء الشرقية من مدينة حلب إلا التضييق الاقتصادي على سوريا، فارضًا عقوبات إضافية طالت مسؤولين سوريين وشملت هذه المرة 17 وزيرًا وحاكم المصرف المركزي، وبحسب البيان الرسمي للاتحاد الأوروبي فإن العقوبات الفردية تشمل حظرًا على السفر وتجميد أصول هؤلاء الوزراء وحاكم المصرف المركزي. والعقوبات قابلة للتطبيق على الفور، حيث نشرت هويات الـ18 شخصية جديدة أمس في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي.
ويأتي هذا التحرك الأوروبي في الوقت الذي تستعد فيه مدينة حلب الشهباء لموعد مع الأيام الحاسمة، حيث نجح الجيش العربي السوري وحلفاؤه ـ بعد النجاحات اللافتة في بلدة منيان ومشروع 1070 شقة وضاحية الأسد والأحياء الحلبية الأخرى في المدينة ـ في إحكام الطوق من اتجاهاتها الأربعة، وفيما يشبه المهلة الأخيرة لتنظيم "جبهة النصرة" الإرهابية ومن معها من التنظيمات الإرهابية منحها الجيش العربي السوري مهلة أربع وعشرين ساعة لمغادرتها قبل أن تبدأ تصفية مواقعهم بأسلحة نوعية حديثة دقيقة التصويب، حيث أكملت القوة الصاروخية والجوية الروسية من جانبها جاهزيتها بعد وصول حاملة الطائرات "كوزنيتسوف" وطراد الصواريخ" بطرس الأكبر" إلى الساحل السوري لتعزيز القوات العسكرية الروسية في سوريا.
إن تزامن فرض المجموعة الجديدة من العقوبات الاقتصادية الأوروبية على سوريا مع الحرب القذرة باستخدام الغازات السامة والتي تشنها التنظيمات الإرهابية بقيادة "جبهة النصرة" الإرهابية، بقدر ما يعكس الدور الأوروبي المتواطئ مع الإرهاب والداعم له، بقدر ما يعبِّر عن مدى التبعية للولايات المتحدة دون تفكر وتأنٍّ، وعدم دراسة مخاطر هذا الانخراط غير المحسوب، لأن قيام هذه التنظيمات الإرهابية باستهداف المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري في أحياء حلب وفي مطار حلب الدولي وسقوط عشرات الضحايا منهم بين قتيل ومصاب باختناق ستكون له تبعاته الكارثية في المستقبل بحكم هذه الممارسة والإتقان في استخدام هذا النوع من الحروب القذرة ضد المدنيين، حين تبدأ هذه التنظيمات الإرهابية رحلة العودة والهروب الجماعي، وهو ما يتناقض مع ما تبديه أوروبا من مخاوف، ويعبِّر عن ازدواجية مريعة وصادمة، باستهدافها من يحاربون الإرهاب نيابة عنها وعن العالم بالعقوبات الاقتصادية ودعم التنظيمات الإرهابية في الوقت ذاته.
فإلى متى سيظل الغرب يتعامى عن مخاطر الإرهاب، ويتمترس وراء تنظيماته ويراهن عليها رغم توجيهها لدغات عدة في أكثر من عاصمة غربية؟