إن الهامش الإنساني لسلطنة عمان وأمانتها في البحث عن المحطات السلمية الممكنة، ومساعدة الآخرين على تجاوز المآسي التي هم فيها والوقوف ضد المظلومية، إنما تنطلق في حقيقة الأمر من عمق تاريخي وجغرافي وإرث كبير في مبدأ المساعدة الذي تتمتع به الشخصية العمانية أصلًا..

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

يحسب للسياسة العمانية باستمرار الهامش الإنساني الذي تحرص السلطنة على تطبيقه في تحركها الإقليمي والدولي وضمن بعدين أساسيين، الأول يتضمن تحرير خطواتها بعيدًا عن أية تواطؤات أو انعطافات جانبية لصالح هذا الطرف أو ذاك على حساب أطراف أخرى، وعلى حساب الحقيقة، وبمعنى مضاف إنها تستخدم منهج الحياد الإيجابي بالكثير من الالتزام، والتواصل مع المسؤوليات الأخلاقية في إطار المقاصد النبيلة التي أشرها ميثاق الأمم المتحدة في العلاقة بين الدول واحترام خيارات السلام والشراكة القائمة على المصالح المشروعة المتبادلة في منأى من التدخل في شؤون الآخرين.
البعد الثاني ويتعلق بمبادئ الاتزان والطرح بدون أية التواءات أو جنوح يمكن أن تؤدي إلى سياسات بعيدة عن هذا المفهوم الإنساني، وعليه فهي تستخدم مفردات واضحة وأمينة تنطلق من المسؤولية التي تشعر بها إزاء الوضعين الإقليمي والدولي عمومًا.
لقد جسدت السلطنة واجب الوسيط النزيه في كل الحسابات سوى أن كان ذلك في إطار تقريب وجهات النظر بين المتخاصمين والبحث عن وسائل مقبولة يمكن البناء عليها لتأسيس جسر ينهي الصراعات القائمة، وفي ذات الوقت أن للسياسة العمانية أيضًا مجالها الرحب المعروف والمتجدد في تحرير الرهائن بغض النظر عن جنسياتهم والانتماءات السياسية، وقد نجحت بالفعل ضمن هذا المجال في اليمن وفي غيرها من دول المنطقة دون أن تعتبر ذلك فضلًا ولا تفاخر به.
إن الهامش الإنساني لسلطنة عمان وأمانتها في البحث عن المحطات السلمية الممكنة، ومساعدة الآخرين على تجاوز المآسي التي هم فيها والوقوف ضد المظلومية، إنما تنطلق في حقيقة الأمر من عمق تاريخي وجغرافي وإرث كبير في مبدأ المساعدة الذي تتمتع به الشخصية العمانية أصلًا، كما أن السلطنة بهذه السياسة ومن ذات المقياس تسعى بجدية متواصلة لأن تقول للآخرين إن منهج الصدام وعروض القوة ليست بالسياسة المجدية قطعًا، بل تدفع لنزعتي الثأرية والانتقام.
وبهذا يحسب للسياسة العمانية أيضًا اعتقادها أن هذا العالم لا يمكن له أن يعاش، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط بدون مبادئ التسامح والتعايش والتصالح واعتماد الأثرة الحسنة القائمة على قاعدة الحقوق المتساوية والعمل المشترك، بعد أن تأكد أن هذا النوع من العمل حاجة أساسية لا يمكن التفريط بها تحت أية ذريعة كانت، فالعالم يعيش الآن بل ومقبل على سنوات من الحاجة المتفاقمة إلى هذا التوجه في ظل تعقيدات اقتصادية ومتطلبات تنمية مستدامة غاية في الصعوبة، وشحة بدأت تأخذ طريقها في البيئة، ما يستلزم فضاءات من العمل المشترك ضمن مفهوم المسؤولية التضامنية لمواجهة كل أشكال التطرف والإيغال بالأصولية ومحاولة عزل الآخر، أو تشطيبه.