مضت السلطنة بخطوات ثابتة في تطوير مسيرتها التعليمية منذ عام 1970م، فمنذ بداية عهد النهضة أولى حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ جل اهتمامه بالتعليم، حيث أكد جلالته ـ أبقاه الله ـ أن التعليم كان أهم ما يشغل باله؛ لذا وجه كل الجهود إلى نشر التعليم، ليحول برؤيته السامية التعليم جهادًا بدأت حملته في ميدان التعليم منذ الوهلة الأولى للنهضة المباركة، وكانت أوامره السامية لدعم وزارة التعليم تأكيدا لهذا النهج، حيث زودها بكل الإمكانيات لتحطيم قيود الجهل، وفتح المدارس في كل جزء من أجزاء الوطن للبنين وللبنات، إيمانًا بأن العلم ضرورة لازمة ولا بد أن يتعلم الجميع ليسعد بهم الوطن، واستجاب الشعب العماني العظيم لدعوة جلالته وتهافت على العلم، كما يتهافت الظمآن على الماء، وكانت الانطلاقة الكبرى مع الخطة الخمسية الأولى التي كانت تركز برامجها التربوية على نشر التعليم في كافة ربوع السلطنة، لتؤكد السلطنة بفضل قائدها المفدى أن إرادة التغيير كانت حاضرة عند الشعب العماني، تنتظر قائدًا ملهمًا يرتب أولوياته، وأن دوافع التطور كانت كامنة متحفزة، تنتظر إشارة البدء لتنطلق، وأن الحماس كان شديدًا إلى النهل من التعليم ليكون بوابة لكافة الإنجازات الكبرى، والعلامات الفارقة بين الماضي والحاضر التي حققتها النهضة المباركة المجيدة.
لذا وجب ونحن نحتفل بعيدنا الوطني الـ46 المجيد، أن نتعمق في الفكر السامي الذي أدرك أهمية العلم كمنطلق لتحقيق التقدم والرقي، فجلالة السلطان المعظم ـ أيده الله ـ طالما أكد على أهمية العلم والمعرفة وضرورة متابعة مستجداتهما بكافة السبل المتاحة بذهن متقد على أساس من التدبر والتجربة، لأخذ الصالح المفيد وترك ما لا طائل من ورائه، بل وسعي جلالته الدائم المتواصل لتحفيز الهمم للإضافة الجيدة في هذا المجال. فرؤية قائد مسيرة التعليم تدرك أنه مهما اجتهد المجتهدون يبقى ما وصلوا إليه شيئًا يسيرًا أمام بحر العلم الواسع.
وظل التأكيد على العلم النافع إدراكًا بأنه هو المنطلق الصحيح لكسب المعارف ونيل الخبرات والمهارات، بما يمكن الأجيال العمانية المتعاقبة من الإسهام إسهامًا فاعلًا في خدمة وطنها ومجتمعها، وتلبية متطلبات التنمية على بصيرة وهدى، وتطورت الفلسفة التعليمية بناء على الأوامر السامية بدءًا من الخطة الخمسية الخامسة وحتى السابعة لتستهدف تجويد التعليم لبناء مواطن عُماني قادر على خدمة وطنه ومجتمعه، والتفاعل مع العالم الخارجي، وذلك وفق ما أكدته توصيات مؤتمر الرؤية المستقبلية للاقتصاد العماني (2020)، ومن ثم إجراء تقييم شامل لمنظومة التعليم بكافة مكوناتها في الخطتين الخمسيتين الثامنة والتاسعة، وقد جاءت منسجمة مع مضامين الاستراتيجية الوطنية للتعليم في السلطنة (2040)، مع الاستمرار في تنفيذ بعض البرامج التربوية التي أكدت عليها الخطط السابقة وفق متطلبات الواقع، وظروف العمل.
ومع التوجه نحو التطور الكيفي، ظل التطور الكمي حاضرًا وبقوة، حيث بلغ عدد المدارس الحكومية في العام الدراسي الحالي 2015/2016م (1068) مدرسة، تضم (540.069) طالبًا وطالبة، يعمل بها (56.586) معلمًا ومعلمة، بالإضافة إلى ما يقارب (12.000) موظف وموظفة، يعملون في الجوانب المرتبطة بالتدريس. أما المدارس الخاصة فقد بلغ عددها (574) مدرسة، يعمل بها (10.984) معلمًا ومعلمة، في حين بلغ عدد الدارسين بها (162.285) طالبًا وطالبة، فقد استكمل تنفيذ (93) مبنىً مدرسيًّا جديدًا، تهدف إلى تلبية مقتضيات النمو السكاني في جميع المحافظات، بالإضافة إلى تطوير (744) مبنى مدرسيًّا، سواء بإضافة فصول دراسية أو مرافق تربوية أخرى، كالمختبرات المدرسية، أو مراكز مصادر التعلم، أو الغرف الإدارية، أو غيرها من الإضافات التي يتطلبها المبنى المدرسي، كما تم ترميم (225) مدرسة، بنسبة إنجاز (100%)، وذلك بالإضافة إلى مئات المباني المدرسية الأخرى التي شملتها عملية الصيانة.
إن ما نشهده اليوم هو نقلة حقيقية في ميدان التعليم تسعى إلى إحداث نقلة نوعية في مجال التعليم، كونه أهم القطاعات التي تصنع المستقبل، مع الاعتراف بأن هناك تحديات تواجه مسيرة التطوير التربوي وتحقيق الجودة المنشودة، لكنها تواجه بفكر سامٍ نهضوي، يحرص على التطوير الكمي والكيفي، بتطور الأبنية، بالإضافة إلى عملية تطوير عميقة وواسعة للمناهج وطرق التدريس والاستعانة بتقنيات التعليم المتطورة من أجل تزويد الطلاب بمختلف المهارات والمعارف بما يتفق واحتياجات التنمية المتطورة وتقاليد وثقافة الشعب العماني.