[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
”.. كنا نتساءل عندما تقف بنا السيارات ذات الدفع الرباعي ساعات أمام وادي تتدفق مياهه بغزارة بعد الأمطار، أو في بطن طائرة هليكوبتر تابعة لشرطة عمان السلطانية تنقلنا إلى جبل شمس، أو نتحرك بين مئات القرى والتجمعات السكنية في قمم الجبل وبطون الأودية والصحارى الشاسعة والرمال الحارقة، كيف للتنمية والخدمات أن تصل إلى هذه المواقع ؟”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في بدايات العام 1971م، على وجه التقدير، وكنت حينها ما أزال طفلا صغيرا تلتبس عليه التفاصيل الدقيقة، وفي أول زيارة لي إلى مسقط برفقة والدي، أي بعد أن تقلد جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم الحكم بعدة أشهر، أخذنا انطلاقا من ولاية القابل بمحافظة شمال الشرقية ما يزيد على العشر ساعات إلى أن بلغنا منطقة روي، كان المسير شاقا ومرهقا ونضطر إلى الترجل عن السيارة عدة مرات لإزاحة الحجارة الكبيرة أو تهيئة الطريق الترابية التي غمرتها الأودية في مواقع مختلفة. كان والدي لا يفتأ يقدم لنا مقارنة بين الماضي القريب الذي يتطلب فيه المسافر إلى مسقط سبعة أيام بالجمال ويحكي لنا عن المشاق والصعوبات التي كانوا يواجهونها خاصة عند اصطحابهم لمريض أو أكثر للعلاج في مسقط أو الهند أو البحرين هربا به من الوصفات والممارسات والتجارب الطبية الشعبية الخاطئة التي أودت بالكثيرين، ويختم حديثه قائلا: بأن هذه العشر ساعات التي تتأففون وتشتكون منها وتشعركم بالإرهاق والمشقة تعتبر نعمة تتطلب الشكر. بعدها بعدة أشهر تراجعت عدد الساعات التي نحتاجها من القابل إلى مسقط أو العكس إلى سبع ساعات فقط، بفضل عمليات التمهيد والشق والاشراف والمتابعة المتواصلة التي يشهدها الطريق الترابي، وكنا خلالها في ذهابنا وايابنا نتابع عشرات المعدات والآليات ومئات العمال وهم يعملون بكل جد ونشاط في تعبيد أول طريق يتجه إلى المنطقتين الداخلية والشرقية، وما زلت أذكر علامات الاستغراب ونظرات التعجب والتعليقات المتهيبة من الجسر الحديث وقتها والقديم حاليا، الذي يرتفع عاليا ويربط بين ضفتي الوادي في فنجا أثناء انشائه كجزء أساسي من هذا الطريق، فمن يراه واحدا من المشاريع العجيبة التي لم ير من قبل مثيلا له، ومن يجزم بأنه مشروع فاشل لن يصمد أمام فيضان ومخاطر الوادي، ومن يتعامل معه بخوف وتهيب ويتحدث عن استحالة السير عليه بسيارته بعد افتتاحه مضيفا بأنه سيضطر إلى الهبوط إلى بطن الوادي ليلتقي بالطريق بعد عبوره، تم افتتاح الطريق في نهاية السبعينيات على ما اعتقد، وأصبح جسر فنجا واحدا من معالمه المهمة والجميلة، وفي الوقت الذي فيه أمواج الوادي المهيب تهدر من تحته بعد الأمطار الغزيرة فإن الجميع ينطلقون من فوقه بسياراتهم مطمئنين غير مبالين وأضحت مخاوفهم واستفهاماتهم من الماضي، وفي أول زيارة لنا من مسقط إلى ولاية القابل بعد افتتاح الشارع الجديد أخذنا ساعتين ونصف لا غير، وما زال الجسر على مدى أربعة عقود يمارس دوره بعد أن تحول إلى جزء من الطريق الداخلي لهذه المدينة ... اليوم وبعد افتتاح أجزاء واسعة من الشارع الحديث الذي يتكون من ثلاث حارات لكل مسار - بعد أن أضيفت الثالثة بأوامر سامية - والمتوقع أن يتم الانتهاء منه قريبا، أقدر أن المسافة لن تزيد على ساعة ونصف، تمضي بسهولة ويسر وراحة وطمأنينة واسترخاء، خال من الازدحام وعوائق الأودية وشدائد الطريق ... وفي العام 1985 عندما تعينت موظفا في المجلس الاستشاري للدولة، كانت التنمية والخدمات الأساسية تنتقل تدريجيا من المدن إلى القرى والمناطق النائية والتجمعات السكنية، وقد انخرطت مباشرة في العمل مع اللجان الدائمة والمؤقتة والمنبثقة عنها والتي كانت تعمل صباحا ومساء بأعضائها المعينين بمرسوم سلطاني والممثلين أولا : للمجتمع أو القطاع الأهلي من الشيوخ والرشداء، ثانيا: الحكومة من وكلاء الوزارات ومدراء العموم، ثالثا: القطاع الخاص من رجال الأعمال والأغنياء... لدراسة واقع الخدمات وتقييم مسارات التنمية وتحديد الأولويات ومتابعة احتياجات المناطق والولايات، خاصة التجمعات السكنية والقرى والمواقع النائية وذلك على ضوء لقاءات اللجان بالمواطنين في مناطق سكناهم واستطلاع الحاجات الفعلية من خلال الزيارات الميدانية المباشرة وتقديم دراسات مفصلة حول شبكات الكهرباء والماء والاتصالات والطرق والمدارس والمرافق الصحية وسوق العمل ومستوى الدخل والخدمات الإسكانية... الخ، وقد شاركت مع تلك اللجان في زياراتها إلى معظم المناطق والولايات والتجمعات السكنية ... ووفقا للمشاهدات كانت معظم الطرق إما انها لا تزال غير معبدة أو غير ممهدة وشبكات الكهرباء لا تزال بعيدة عن الكثير من المناطق والقرى والتجمعات السكنية وبعضها لا تصل إليها السيارات ولا يستطيع سكانها الوصول إلى المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس وما زالوا بعيدين عن حياة الرفاه التي يعيشها إخوانهم في مسقط وصلالة وصحار ونزوى وصور وابراء والرستاق وبعض الولايات الأخرى الرئيسية ... وكنا نتساءل عندما تقف بنا السيارات ذات الدفع الرباعي ساعات أمام وادي تتدفق مياهه بغزارة بعد الأمطار، أو في بطن طائرة هليكوبتر تابعة لشرطة عمان السلطانية تنقلنا إلى جبل شمس، أو نتحرك بين مئات القرى والتجمعات السكنية في قمم الجبل وبطون الأودية والصحارى الشاسعة والرمال الحارقة، كيف للتنمية والخدمات أن تصل إلى هذه المواقع؟ انه ضرب من ضروب الخيال فطقس وجغرافية وتضاريس عمان ليست كغيرها انها صعبة المنال على التطوير وعلى الآلات والمعدات الحديثة؟ ولكن ما كان مجرد حلم وما رأت فيه العين تحديا أو استحالة تحقيقه بات واقعا تراه العين ذاتها ملموسا على أرض الواقع ... في هذه المشاهد التقريبية التي تنسحب على مختلف القطاعات التنموية ومجالاتها وتخصصاتها وحقولها وجميع الأمكنة على مساحة الوطن بمناطقه وولاياته وقراه وتجمعاته السكانية وحواضره وبواديه، جباله وأوديته وسهوله وصحاريه ... سعيت إلى تصوير مراحل الانجازات عبر ستة وأربعين عاما من عمر النهضة المباركة التي قاد زمامها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - التي تفردت بالاستمرارية والتطور والسعة، فيقدم اللاحق للسابق ما يعظم من شأن ومكانة عمان، ويأتي الحاضر ليضيف على الماضي جديدا وانجازا ومكسبا وتطورا وحداثة تتعزز بها الحياة المزدهرة السعيدة، وكون أن الموارد المالية كانت متوفرة وأسعار النفط في الأسواق العالمية مرتفعة تسهم في تعزيزها، تمكنت النهضة العمانية من تحقيق تلك الإنجازات وتعظيم المكتسبات والانتصار على تحديات التضاريس ومساحة عمان الواسعة وتوزع مدنها وقراها وتجمعات السكان على عرض البلاد وطولها، ولا شك بأن المجتمع يتطلع دائما إلى المزيد من التنمية والبناء والتقدم والرخاء والازدهار واستمراريتها والإضافة عليها ... بحكم أن طموحات الإنسان متجددة متطورة حالمة وينظر إلى الغد بآمال وتطلعات أكبر، وما يرى فيه جيل السبعينيات والثمانينات والتسعينات بحكم القناعة والرضا والمقارنة بين عصرين لا تجوز المقارنة بينهما حتى، تجاوزا لما رسموه في مخيلتهم، فإن جيل الشباب ينظر إلى انجازات اليوم بأنها دون مستوى طموحاته، وهذه هي أكبر تحديات النهضة في مستقبلها، تحد أدركته الحكومة العمانية وأضاف عليه درس انهيار أسعار النفط ومتاعب الاقتصاد وعيا أكبر ورغبة في التوجه إلى بناء منظومة اقتصادية تسعى إلى تنويع الموارد وتعزيز التنويع الاقتصادي القادر على التعامل مع الأزمات والتحرر من قيود الاعتماد على مورد واحد معرض للنضوب وانهيار الأسعار. وهي مرحلة أخرى تستمد طاقتها من الانجازات المحققة وتنطلق إلى المستقبل في تصميم وعزم ورؤية واضحة لتحقيق تطلعات الشباب ... من هذا المنطلق فقد شرعت السلطنة في خطوات مهمة ومقدرة في تنفيذ وتوقيع واطلاق ومراجعة وإقرار والانتهاء من عدد من المشاريع والاتفاقيات والمبادرات والصناعات والتشريعات والأعمال التي تسعى إلى تنشيط القطاعات الاقتصادية وتحقيق سياسات التنويع وتشجيع الاستثمار ... يأتي من أهمها على سبيل المثال لا الحصر: إنشاء المدينة الصناعية الصينية العمانية بالدقم، باستثمارات تتجاوز عشرة مليارات دولار، وعلى مساحة تقدر بـ (1170 هكتارا). تتضمن مصفاة نفط وصناعات ثقيلة وخفيفة وفندق تقدر تكلفتها بـ 150 مليون دولار ومستشفى بـ 100 مليون، وإنشاء مركز للتدريب وابتعاث 1000 عماني للصين لدراسة التخصصات المطلوبة - اكتمال إنشاءات مطار مسقط الدولي بنهاية هذا العام 2016م، والتشغيل أواخر 2017 بعد أن تجاوزت نسبة الإنجاز بمبنى المسافرين 91 %، ففي آخر تصريح لمعالي الدكتور وزير النقل والاتصالات، خلال جولة إعلامية بالمشروع، أكد على أن استكمال جميع الأعمال الإنشائية ستتم (مع نهاية العام الجاري) 2016م، وسيعقب ذلك عمليات (فحص الأجهزة من أجل التشغيل أواخر العام المقبل) 2017م . مضيفا أن المشروع يعد (نقلة نوعية لقطاع الطيران المدني في السلطنة، ويخدم تنوع مصادر الدخل، وتصل كلفته إلى 2.4 مليار ريال، ويستقبل أكبر الطائرات في العالم. متوقعا أن يصبح المطار بعد اكتماله ضمن (أفضل عشرين مطارا في العالم)، بطاقة استيعابية تصل إلى (12 مليون مسافر) ومن المتوقع أن ترتفع تدريجيا لتصل إلى (48) مليون مسافر - البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي، والذي يأتي في إطار تنفيذ الخطة الخمسية التاسعة المعتمدة بالمرسوم السلطاني السامي رقم: (1 /2016م)، ويتم تنفيذه وفق (خطة ممنهجة تضمنت تشكيل فريق عمل من العمانيين والخبراء الدوليين)، ويتم تطبيقه بالتعاون مع الحكومة الماليزية ممثلة في وحدة متابعة الأداء والتنفيذ التابعة لمكتب رئيس الوزراء الماليزي، بغية الاستفادة من تجربة التحول الاقتصادي الماليزية في تنفيذ هذا البرنامج، ويهدف إلى (تعزيز القطاعات الاقتصادية غير النفطية، وإيجاد بدائل أخرى تدعم الاقتصاد الوطني وجهود التنمية الشاملة في السلطنة)، والذي ختم جلسات مختبراته بتفاؤل أكبر وتصميم أكثر اصرارا على النجاح لتبدأ مرحلة أخرى جديدة من العمل - الانتهاء من تصاميم مختبر مشروع المليون نخلة. تنفيذا للأوامر السامية بزراعة مليون نخلة في السلطنة، وتكليف الجهات المعنية بوضع الآليات المناسبة لتنفيذ المشروع، حيث تم الاعلان عن (الانتهاء من تصاميم المختبر الخاص بالمشروع بفروعه الستة، الذي يضمن جودة الإنتاج واستدامة المزارع، وتجهيز 11 مزرعة تستوعب 600 ألف نخلة). وتشير الإحصائيات إلى أن المشروع سينتج 96 ألف طن من التمور و56 ألف طن من منتجات النخيل - الاعلان من قبل كل من الصندوق الاحتياطي العام للدولة وشركة النفط العُمانية بالشراكة مع مجلس البحث العلمي والشركة العُمانية للاتصالات (عُمانتل) عن تأسيس أول شركة استثمارية لتمويل المشاريع المبتكرة، تحت مُسمى الشركة العُمانية لتطوير الابتكار القابضة (ابتكار عمان)، برأس مال أولي يبلغ 50 مليون ريال عُماني - التوقيع على الاتفاقية المشتركة لتطوير مشروع (رأس الحد بولاية صور- محافظة جنوب الشرقية ) بشراكة عمانية – قطرية. هذا فضلا عن الاعلان عن عدد من المبادرات الاستثمارية وإنشاء مصانع مختلفة وجهود الغرفة ورجال الأعمال في القيام بزيارات اقتصادية واكتشافية للكثير من بلدان العالم تهدف إلى جذب الاستثمارات ودعوة رجال الأعمال لزيارة السلطنة والبحث عن أسواق جديدة للمنتجات العمانية ... مع استمرار المشاريع الخدمية بإرساء المناقصات وتنفيذ عدد من الطرق المزدوجة وتعزيز شبكات الكهرباء والماء والاتصالات والصرف الصحي ومرافق التعليم والصحة وغيرها. وعلى مساهمات الشباب العماني ومبادراتهم وامكاناتهم وجهدهم في طلب العلم والمعرفة واخلاصهم في العمل ومثابرتهم وحرصهم على تعزيز الوعي وترسيخ الافكار الايجابية وتصحيح المفاهيم المغلوطة وذلك بما يبني القدرات ويشحذ الهمم ويعلي من شأن الوطن تتحقق النتائج المرجوة وتتغلب المحفزات على كل التحديات، وهذا ما نتطلع إليه أن يغتنم الشباب المناسبات الوطنية لتحقيق المزيد من العطاء والروح الإيجابية وتقديم الأفكار والمرئيات البناءة والحفاظ على مكتسبات النهضة والإضافة عليها والدفاع عن اللحمة الوطنية والقيم والمثل الإنسانية.

[email protected]