[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
”اعتقدت السيدة هيلاري كلنتون بالمنطق العادي للسيستم وهي البنت الشرعية للماكينة أن الإفصاح عن المواقف الراديكالية يعتبر عائقا أمام بلوغ البيت الأبيض! وكان هذا الاعتقاد المتوارث هو الذي تسبب في خسارتها لأنها تربت وترعرت سياسيا في مدرسة النشوء والارتقاء العادية التي جربت فصحت منذ 1798 تاريخ انتخاب جورج واشنطن إلى عصر باراك أوباما.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يوم الثامن من نوفمبر 2016 سيبقى علامة فاصلة في تاريخ السياسة الدولية وتاريخ الولايات المتحدة والغرب عموما وأتوقع أن المؤرخين والمحللين في العقود القادمة سوف يطلقون على هذا اليوم نعت المنعرج الحاسم في لعبة الأمم وتوازن القوى والعلاقات الدولية بأسرها. تفسيري لتوقعاتي هذه هو أن أعظم قوة عسكرية استراتيجية اقتصادية في العالم اختار شعبها (بل شعوبها) رئيسا من خارج (السيستم) أي رجلا لم يتدرج كما كان أسلافه جميعا من أسفل السلم السياسي إلى أعلى درجة فيه وهي القاعدة المتعارف عليها منذ عهد المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية على يدي جورج واشنطن. (السيستم) الأميركي التقليدي (يسمونه في أميركا الماكينة) هو المدرسة التي يتخرج منها الرئيس والوزير وعضو الكونغرس ولا يوجد استثناء واحد منذ أول رئيس إلى اليوم وحتى الرئيس ريجان ( الأربعون في قائمة الرؤساء) الذي كان ممثلا سينمائيا مر بمرحلة (السيستم) حين تولى منصب حاكم ولاية كاليفورنيا على مدى عشرة أعوام. هذه هي المفاجأة الأولى أما المفاجأة الأكبر هي أن دونالد ترامب أصبح رئيسا للولايات المتحدة بفضل مواقفه اليمينية المتطرفة التي أفصح عنها طوال حملته الإنتخابية بوضوح و صراحة نقيض ما درجت عليه الحملات الأميركية.
واعتقدت السيدة هيلاري كلنتون بالمنطق العادي للسيستم وهي البنت الشرعية للماكينة أن الإفصاح عن المواقف الراديكالية يعتبر عائقا أمام بلوغ البيت الأبيض! وكان هذا الإعتقاد المتوارث هو الذي تسبب في خسارتها لأنها تربت وترعرت سياسيا في مدرسة النشوء والإرتقاء العادية التي جربت فصحت منذ 1798 تاريخ انتخاب جورج واشنطن الى عصر باراك أوباما. أخطأت السيدة الأولى السابقة والوزيرة الناشطة في اختيار الطريق الصحيحة للوصول الى المكتب البيضوي. هذه الطريق التي اكتشفها غريمها ومنافسها فنجح هو وفشلت هي. أدرك ترومب أن المجتمع الأميركي تغير جذريا خلال السنوات الثمانية التي قضاها أوباما رئيسا. تغيرت الولايات المتحدة لأن العالم تغير. فخلال السنوات الثمانية الأخيرة (منذ 2008 سنة الانهيار المالي المعروف الذي بدأ بسقوط مؤسسة (ليهمانس براذر) نفس سنة انتخاب الرجل الملون البركة بن الحسين أوباما لولايتين) تغير العالم في الحقيقة لأن أميركا قادته إلى التغيير وذلك باتساع سريع وشامل وفوضوي لوسائل الاتصال الاجتماعية (من 150 مليون مستعمل لوسائل الاتصال الاجتماعية في العالم مثلا سنة 2008 الى مليار و ثلث المليار سنة 2016) وخلال هذه السنوات تحول العالم الى قرية كونية كما توقع له عالم الميديا (مارشال ماك لوهان) في السبعينات وتداولت المواقع الاتصالية بفضل مليارات الأجهزة الخفيفة و الشخصية ملايين القضايا وفتحت ملايين الملفات وبالتالي تعززت المعرفة بانتقال أني (لحظي) للمعلومة مع ما رافق هذه الثورة الرقمية من تحولات استراتيجية عميقة في العالم حيث نشأت بؤر حروب جديدة وأزمات غير مسبوقة انطلاقا من الشرق الأوسط الذي سبب الهجرات المليونية وتفاقم الإرهاب الأعمى الذي ضرب أوروبا إلى الأزمة الأوكرانية الخطيرة وتهديد العالم بمواجهات نووية بين العملاقين مرورا بالسلاح النووي لكوريا الشمالية الذي يقض مضاجع واشنطن وروسيا ومرورا بالمخاطر النووية الإيرانية التي اتفق العمالقة الثلاثة أميركا وروسيا والصين على حلها بالمفاوضات بقص أجنحة طهران النووية مؤقتا واتخاذها شريكا في المخططات الكبرى ومن ثم إعادة رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط تجب الخريطة التي قبلها والمرسومة سنة 1916 بين سايكس وبيكو. فأصبح الوزيران كيري ولافروف هما سايكس وبيكو سنة 2016 بعد قرن بالضبط من 1916 لكن الرجل المريض الذي تقاسم الأقوياء تركته ظل هو هو على مدى قرن!! ظاهرة فوز ترامب تتلخص في إدراكه الذكي لكل هذه التحولات واستغلالها ليظهر للمجتمع الاميركي في لباس البطل المتفاعل مع هذه المتغيرات (نعتته مجلة نيوزويك بلقب رامبو) وبالتالي المنقذ للولايات المتحدة من السقوط والتردي بإعادة منزلة أميركا الى سالف عصرها الأمبراطوري المهيمن المسيطر على مقدرات العالم ومن أجل تنفيذ هذا المسار الجديد نحو الرئاسة أعرب بوضوح بكلمات مستوحاة من لغة الفيسبوك وتويتر حتى لو كانت سوقية وغير أخلاقية (مثل حديثه القديم عن طريقة كسب قلوب النساء والذي اعتذر عنه لكنه لم يتبرأ منه) وكذلك إعلانه عن منع المسلمين من دخول أميركا وعن نيته بناء سور الصين العظيم بين بلاده والمكسيك وعن عزمه مطالبة الدول الأوروبية بدفع مقابل حمايتها من العدو الروسي او الإيراني أو الكوري الشمالي. هذه المواقف التي تبدو لنا نحن العرب راديكالية بل ومجنونة هي نفسها التي يضمرها أغلب الأميركان في سرهم أو يعلنونها صراحة يوميا في مواقع الاتصال الجماهيري. فالرئيس ترامب سيضطر الى تنفيذ سياسات دولية جديدة ومناقضة للسيستم مثل التعاطي المعلن مع الملف السوري بشكل مختلف يندرج حتما في سن سياسة خارجية تتجنب الصدام مع روسيا وايران وسوريا بحجة أن هذه القوى الاقليمية تحارب داعش مما يجعل اميركا تعتبرها صديقة ! ويتساءل بعض العرب اليوم ماذا سيغير نحونا نحن هذا المجهول الأميركي؟ نعم سؤال مشروع و لكن أليس الأفضل لنا أن نغير ما بأنفسنا نحن حتى يغير الله ما بنا؟ عوض أن ننتظر ماذا سيفعل بنا البيت الأبيض حين يحتل مكتبه البيضوي رجل أعلن أنه يكرهنا ويخشانا وينوي القفز بالعلاقات مع اسرائيل الى مستوى غير مسبوق. المعلوم من مشاريع ترومب عرفناه وهو لم يتستر عليه كما فعل أسلافه لكن المجهول هو الذي يخبأه لنا ترامب رغم الحدود الدستورية التي تغل يديه عن المس بمصالح اميركا ! الذي يخيف النزهاء هو جهل الرجل بأبجديات التاريخ السياسي والحضاري للعالم فمعلوماته حول القضايا الحارقة لا تتجاوز الثقافة القاعدية (بازيك) لأي مواطن اميركي يعمل موزع بنزين في محطة وقود أو نادل في مطعم ماك دونالدز !! وهذا الرأي ليس من عندي بل من أحد أقطاب حزبه الجمهوري رئيس لجنة السياسة الخارجية في الكونغرس !!!