[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2015/03/must.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أحمد مصطفى[/author]
”يمتد التخويف إلى ما هو أبعد بالحديث عن "تأثير ترامب" وكيف أن فوزه بالرئاسة الأميركية سيعني صعود اليمين المتطرف في البلدان الغربية ـ حتى أن البعض يشيع أن ترامب سيكون حافزا لحكم النازيين الجدد في ألمانيا وغيرها. ومرة أخرى لن يتضرر ترامب ولا أميركا، ولا حتى أوروبا، من هذا الترهيب للعرب والمسلمين.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدأت وسائل الإعلام في محاولة احتواء النتائج السلبية لموقفها أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، إذ لم تدعم كلينتون فحسب بل شنت حملة متعمدة على الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وبينما تسعى تلك المنافذ الإعلامية لاستعادة بعض الثقة الجماهيرية التي فقدتها، كما فعل ناشر أعرق صحيفة أميركية ـ نيويورك تايمز ـ يناشد القراء ويتعهد بالعودة للصحافة السليمة، نجد وسائل إعلام أخرى تواصل نشر ما يخيف الناس، في أميركا والعالم، من تولي ترامب الرئاسة. أضف إلى ذلك أن من تضرروا بشدة من عدم فوز كلينتون (في منطقتنا مثل تنظيم الإخوان وغيره من الميليشيات والمعارضة السورية المسلحة وغيرها) لا يملكون سوى إثارة الرعب من أن انتخاب ترامب سيجلب المصائب والكوارث وكأنهم يتصورون أن التخويف من "بعبع ترامب" يمكن أن يغير النتيجة. ولو سلمنا جدلا أن ذلك حدث، فإن هناك "استبن" جمهوري لترامب هو مايك بنس ولن تكون الرئاسة لكلينتون ولا الديمقراطيين.
يمكن تفهم موقف "أيتام كلينتون" هؤلاء، لكن ما يصعب فهمه حقا هو أن تستمر وسائل إعلام ـ يفترض أنها رصينة ـ في نشر حالة الرعب والتخويف من ترامب وكأن ذلك سيغير من الأمر شيئا. التغيير الذي سيحدث هو أن ترامب لن يكون بهذا القدر من السوء الذي تروج له وسائل الإعلام تلك ـ على الأقل لبلده أميركا ومواطنيه الأميركيين ـ ومن ثم تخسر وسائل الإعلام تلك أي ثقة جماهيرية تبقت لديها. كما أن شحن بقية العالم ضد ترامب ورئاسته لن يسهم في تحسين وضع الدور الأميركي في العالم، حتى ما يريده هؤلاء الذين يتحسرون على خسارة كلينتون. ولا نريد هنا تكرار أن أميركا بلد مؤسسات وأن الرئيس ليس حاكما مطلقا، وأن ما يعلن من شعارات في الانتخابات لا يصمد أمام حقائق وواقع السياسة الفعلية، فكل هذا معروف ويدركه من يثيرون الرعب أكثر من غيرهم. ولا حتى نقارن بين ترامب وغيره من رؤساء لم يكونوا أكثر منه ذكاء ولا عمقا ودخلوا التاريخ بدخولهم البيت الأبيض.
التهويل من بعبع ترامب وأنه، كما يروج الإعلام المؤدلج في المنطقة أو الذي يشعر أنه خسر مع هيلاري كلينتون، سيحول حياة العرب والمسلمين في أميركا وخارجها إلى جحيم لا يضر بترامب وأميركا بقدر ما يضر بالعرب والمسلمين. ولن تفيد تلك التعبئة إلا في نشر أفكار التطرف والإرهاب (وربما هناك بعض منافذ إعلامية قليلة تستهدف ذلك وهي تعرف). المصيبة هي في من يركب الموجة ويسهم في تضخيم رسالة التخويف والرعب وإثارة الكراهية والعداوة دون أن يكون مستفيدا من شيء إنما هو يظن فقط أنه يفعل ما هو صحيح لمجرد أن منافسيه يفعلون ذلك. نعم لأميركا مصالح في منطقتنا، وسياساتها مخربة ومدمرة منذ عقود ولا تختلف كثيرا عن الاستعمار القديم بل ربما تكون أكثر شرا ـ وهناك آلاف الكتب والدراسات حول ذلك ـ ولا جدال في ذلك إلا قليلا. لكن ترامب ليس "الشيطان الأكبر" كما يصوره المتباكون على كلينتون ومروجو أفكار التطرف والتشدد. في الوقت نفسه هو ليس أفضل الأميركيين حتى في مجال الأعمال الذي يمتهنه، فكل أعماله طفيلية وصفقاته مشبوهة وثروته يمكن الشك في تراكمها عبر فساد وتدليس.
لكن كل ذلك في جانب وتصوير رئيس منتخب على أنه "أمنا الغولة" فيه امتهان لنصف الشعب الأميركي على الأقل الذي أعطاه صوته. قل في هذا الشعب ما شئت، وأنه لا يهتم بما يجري حوله وكل همه ما يدخل جيبه وما ينفقه على طعامه وسكنه وصحته. بل زد من الشعر بيتا بأن أغلبية الشعب الأميركي لا يعرفون إن كانت ليبيا بلدا أم أكلة متوسطية، وأن ثقافتهم السياسية سطحية و.. و.. إلخ، لكن السخرية من اختيار هذا الشعب لا تجوز. ورجاء ألا نقارن، لأن المقارنات ليست دوما في صالحنا حتى مع استدعائنا لحضارة أسلافنا وإنجازات بعض من بيننا. ففي النهاية، الواقع هو أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم ولا يوجد في العالم من لا يتطلع إليها حتى لو ادعى غير ذلك.
يمتد التخويف إلى ما هو أبعد بالحديث عن "تأثير ترامب" وكيف أن فوزه بالرئاسة الأميركية سيعني صعود اليمين المتطرف في البلدان الغربية ـ حتى أن البعض يشيع أن ترامب سيكون حافزا لحكم النازيين الجدد في ألمانيا وغيرها. ومرة أخرى لن يتضرر ترامب ولا أميركا، ولا حتى أوروبا، من هذا الترهيب للعرب والمسلمين. وإذا تركنا المجال لبعض التحليل، فللأسف يمكن تفسير مواقف بعض القوى ووسائل الإعلام المعبرة عنها تفسيرا أقرب للتآمري. فكل هذا الشحن والحديث عن صعود اليمين المتطرف في الغرب ليس إلا مساهمة في الترويج لمقابل غربي لداعش والقاعدة عندنا. لذا عاد "المفكر النجم" فرانسيس فوكوياما يكتب مقالا مطولا عن "القومية الشعبوية" التي تكتسح "الليبرالية الديموقراطية" في أميركا والمجتمعات الغربية. وبغض النظر عن التقعر شبه الأكاديمي الذي يلجأ إليه فوكوياما وأمثاله، فالأمر ببساطة أن هؤلاء حاملي أبواق التهويل والتخويف وبث الرعب يريدون أن يقابل "التطرف الإسلامي" بنوع من "التطرف اليميني" الغربي ـ وإلا لن يحدث صراع الحضارات ونهاية التاريخ وكل تلك الخزعبلات التي انتشرت في العقود الأخيرة ضمن محاولات التعامل العقلاني مع مرحلة انتقال حضارية للإنسانية.
لا ترامب هو البعبع، ولا يصعد في الغرب قاعدة وداعش، ولا يستفيد من كل ذلك الواهمون بانهم يمثلون "الاعتدال" سواء في معسكر التطرف والإرهاب عندنا أو العنصرية والتطرف في الغرب.