[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
تستوعب الأذن الاقتصادية مايعرف علمياً وعملياً باسم (السلع الدولارية)، وهي السلع او المنتجات ذات الأهمية الاقتصادية لمنتجيها والتي يحصل مصدروها على العملات الأجنبية التي بينها الدولار كنتيجة تصديرها إلى الخارج. غير أنه من غير المألوف للاقتصاديين سماع مصطلح (سلعة الدولار)، فهو وللأسف مصطلح شاع مؤخراً في دول العالم الثالث، كنتيجة للاختلالات الهيكلية في البنيات الاقتصادية في بعض الدول في المنطقة العربية والافريقية والآسيوية.
لقد شاع مصطلح (سلعة الدولار) على وجه الخصوص في الدول التي تتعرض إلى مشكلات وأزمات اقتصادية تؤثر على ميزانها التجاري مع دول العالم الأخرى، وذلك لعدة اسباب تختلف من دولة الى أخرى، غير ان السمة الأساسية لظاهرة - الدولار السلعة - تتلخص في مستوى قدرة الدولة على الحصول على العملات الأجنبية التي تستخدمها في تعاملاتها التجارية عبر فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع والخدمات والتقنيات التي يحتاجها اقتصادها.
وعندما تتعقد حالة الاقتصاد في الدول التي تعاني صعوبة الحصول على العملات الأجنبية أو صعوبة في تحقيق الانسيابية في التعاملات التجارية الخارجية لأي سبب من الأسباب، بالتالي يصل الأمر الى اشبه بندرة العملات الأجنبية التي يعتبر الدولار العملة الأهم فيها، وبذلك يتكالب المستوردون والمستمثمرون والدولة ايضا على الحصول على ماهو متاح من كمية او عدد من الدولارات في الأسواق المحلية .... وهنا يتحول الدولار الى سلعة تباع وتشترى، بدلا من أن تحافظ على مسماها كوحدة (نقد) أجنبية ينبغي ان تحافظ على مسارها الطبيعي في دولاب الاقتصاد وتدخل وتخرج منه وإليه كوسيط في شراء وبيع السلع وليست (كسلعة) تباع وتشترى كما هو حالها الآن في بعض الدول العربية والافريقية والاسيوية ذات الاختلال الهيكلي في بناياتها الاقتصادية.
وفيما ارجع الاقتصاديون تحول الدولار إلى سلعة في بعض الدول الى الكثير من التشوهات التي تعانيها اقتصاديات تلك الدول لأسباب اقتصادية وسياسية بعضها داخلي والبعض الآخر منها خارجي، الا ان البعض الآخر من الاقتصاديين، يرون ان زيادة الكتلة النقدية للدولار الأميركي خارج الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدا خارج النظام المصرفي الأميركي ربما يكون له دور بشكل أو بآخر في تحكم الظاهرة اي ظاهرة (تحول الدولار الى سلعة) وتحكمها في مفاصل الدول ذات التعقيدات الاقتصادية.
ومثلما اسهم ارتفاع الكتلة النقدية في العالم بشكل عام إلى تفشي ظاهرة تحول العملات الأجنبية إلى سلع بدلا من مسمياتها كوحدات نقد، فقد أسهمت ايضا ووفق الاقتصاديين إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية، ويبدو ذلك الأمر أكثر وضوحا في مستويات المعيشة بالدول التي تعاني في الأصل ندرة النقد الأجنبي، فتتغير بالتالي أساليب حساباتها وتتعقد ، فبدلا من أن يكون بيع السلع الاستهلاكية الى المستهلك العادي محسوبا على اساس الفرق بين تكلفة الشراء واستهداف هامش الربح ليتحدد سعر البيع، يتحول الأمر الى حساب تكلفة شراء السلعة مضافاً اليه تكلفة شراء العملة، مضافاً اليه هامش الربح المطلوب وفق التوقعات المستقبلية للتضخم ومايمكن ان يصل اليه الدولار من سعر جديد ... وهنا يكون سعر البيع للمستهلك مبالغ فيه.
تحدث كل تلك التشوهات لاقتصادات دول ندرة النقد الأجنبي الدولاري، الا ان حالة التحول التي يصاب بها الدولار الأميركي في تلك الدول فيتحول الدولار فيها الى (سلعة ) تباع وتشتري لا يستفيد منها الاقتصاد الأميركي بشكل مباشر، بمعنى انه لايجني تدفقات مالية ناتجة عن بيع الدولار (كسلعة) في السوق السوداء خارج أميركا، وذلك على الرغم من أن الكثير من الاقتصاديين يشككون في وجود حصر حقيقي للكتلة النقدية للدولار الأميركي خارج النظام المصرفي الأميركي اي الدولار المنتشر في مختلف أنحاء العالم ..... غير ان المردود الوحيد لهذه العمليات المشوهة يكون في الأساس هو تأكيد قوة تأثير الاقتصاد الأميركي، ومتانة تحكم أميركا في النظام المالي العالمي شئنا أم ابينا ... فإما أن تعيد الدول المتأزمة صياغة اقتصادياتها بما يتواءم مع النظام المالي العالمي، او ان تبحث مع غيرها من المتضررين من هذا النظام على وضع الأسس وبشكل عاجل ومؤسس لنظام مالي عالمي جديد لايحكمه الدولار الأميركي بأي شكل من الأشكال.