[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
لم استطع تجنب الحديث عن الظاهرة العملاقة المطربة الوطنية القومية فيروز التي احتكمت في تاريخها الغنائي إلى لوحات غنائية كان فيها لبنان والوطن العربي أساسها وفي القلب منها طبعا فلسطين.
في عيدها الواحد والثمانين مازالت تلك " الصبية " جاهزة الصوت لتؤدي مايطيب للعرب ان يسمعوه، سواء في مناسباتهم الحزينة كما هي حالهم اليوم، أو في أمنياتهم الموعودة بالأمل .. وانا هنا لا أريد الخوض في نتاجها الرومانسي الذي أبدعته فصار حلو ايام وسنين السامعين، وانما يهمني عميق ارتباطها بالأمة حتى غدت لسان حالها في شتى مناسباتها الوطنية والقومية. ففيروز تحكمنا جميعا بصوتها الملائكي، ورغم عمرها الطويل، الا ان مسيرتها الفنية مع عبقريين هما الاخوين رحباني، صارت مدرسة وفية لتراث متمايز هو في قلب هذا الشرق صدى لوجوده الإنساني.
عندما رددت أغنيتها عام الهزيمة العربية 1967 وتقول فيها " الآن وليس غدا أجراس العودة فلتقرع "، رد عليها شاعر بقوله " أجراس العودة لن تقرع / من شرم الشيخ إلى سعسع " ( قرية في الجولان السوري * .. لكنه الكلام الذي احتاجته النفوس العربية في لحظة إحباطها الذي كرسته الهزيمة .. ومن قيم الفن أن يلعب دورا كهذا، وأن يلتزم بلحظات الصراع التي يلعب فيها المصير شأنه.
لم تترك فيروز مناسبة وطنية وقومية إلاّ وكانت الرائدة في التعبير عنها، أبدع شاعر مثل سعيد عقل في نكهة الشعر المميزة وخصوصا فيماغنته للعواصم العربية كافة وفي المطلع منها بغداد، حيث قالت " " بغداد والشعراء والصور / ذهب الزمان وضوعه العطر" .. وغنت للشام عددا كبيرا من الاغنيات منها قولها " شآم ماالمجد انت المجد لم يغب " وبالطبع الكلمات للشاعر عقل. وغنت للبنان الكثير ايضا، منها " وطني ياجبل الغيم الازرق" ، وكذلك لعمان ، ولجدة ، ولمصر " مصر عادت شمسك الذهب " وتونس ... أما فلسطين فنالت منها حصة الاسد ايضا ، وكانت القدس صورة مكررة في عدد من الاغنيات أبرزها " مريت بالشوارع شوارع القدس العتيقة قدام الدكاكين البقيت من فلسطين " و " زهرة المدائن " وعملها الرائع في اوبريت " جسر العودة " .. ويوم سألت الشاعر عقل عن عدم تغنيه بأي قائد عربي بل بالمدن، اجابني بأن الانسان ليس عليه رباط، هو آخر في كل يوم ومختلف بين يوم ويوم يعني أنه ليس على ثبات، اما المدن الكبرى فهي الثابتة والباقية على مر الاجيال والعصور.
مئات الاغنيات الوطنية لو اردنا احصاءها في عمرها المديد، وفي تاريخها الوطني الذي سكن عقلها، بل في طلتها القومية التي داعبت الزمن العربي بكل تجلياته. ففيروز ليست نمطا من المطربين العاديين الذين باتوا اليوم بالمئات، بل هنالك مغن جديد مع كل مطلع شمس، ثم انها حالة خاصة، صوتا ولحنا وكلمات، يمكن معرفة الاغنية الفيروزية مجرد سماع لحنها، ثم الطرب لكلماتها التي ساهم فيها كبار الشعراء اللبنانيين.
ننحني لعمر فني انفرد بان يكون مؤسسا على كل هذه الاعتبارات وعلى الخيارات التي انتجت رومانسيات محببة لكل نفس سواء ذلك المغروم بحببيبه او المتتبع لعمره الذي يهرب، او الجالس على مقعد انتظار مشوار الحياة او ... اضافة كما قلنا في البداية، ماصار محور عمرها وهي تحكي وطنيات كأنما هو سرورها الذي يشرح قلبها ويجعل من دنياها امانة دائمة لامة دائمة.