يبدو أن البدع المخترعة والمتمثلة في رفع منسوب الفبركات الإعلامية، والإيعاز إلى التنظيمات الإرهابية إلى استخدام الغازات السامة ضد المدنيين وعناصر الجيش العربي السوري في أحياء مدينة حلب، لم تعد قابلة للاستثمار السياسي وصرفها في أروقة مجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، وغيرها، كما لم تكن قادرة على حشد التحريض والتأليب المطلوبين ضد دمشق وحلفائها، وبالتالي لما رأوا صمود سوريا وحلفائها، وإفشالها كل مخططات التحريض والتشويه والتأليب، وقبل إفشالها مخطط إسقاط الحكومة السورية، لم يجد داعمو الإرهاب وسيلة لذلك إلا بتوظيف تنظيماتهم الإرهابية في تنفيذ خططهم البديلة وذلك بقضم المدن والأرياف السورية تحت ذرائع متعددة، فتركيا تحركت نحو تنفيذ مخططها باحتلال أراضي الشمال السوري تحت ذريعة منع إقليم كردي مستقل على حدودها، وترفع عقيرتها ضد (حليفها)الأميركي لما تسميه احتجاجًا على دعمه الأكراد، في الوقت الذي تتسرب فيه معلومات عن لقاءات سرية بين المخابرات التركية وقيادات وعناصر كردية سورية، في حين تسعى الولايات المتحدة إلى احتلال مدينة الرقة ودير الزور أو بالأحرى المنطقة الممتدة على الحدود العراقية ـ السورية من دير الزور وحتى الرقة تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي مستخدمة في مخططها ميليشيا ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية"، بينما يعمل كيان الاحتلال الإسرائيلي على مخطط احتلال منطقة الجولان السوري المحتل وإعادة احتلال المناطق المحررة، موظفًا في ذلك ما يسمى "جبهة النصرة" ومن معها من التنظيمات الإرهابية الرديفة بحجة إقامة حزام أمني يمنع المقاومتين السورية واللبنانية من تحرير ما تبقى من التراب السوري المحتل في الجولان.
أما ثالثة الأثافي في مخطط تفتيت سوريا وقضم مدنها وقراها وأريافها، فجاءت من مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا الذي عاد بعد صمت طويل لينطق بكلمة الكفر، وليؤكد ما لم يكن مستورا من المخطط التآمري ومهرولًا لإنقاذ ما يسمى "جبهة النصرة" وملحقاتها في الأحياء الشرقية من مدينة حلب، متكئاً على مزاعم خشيته على المدنيين ، عارضًا تقسيم مدينة حلب عبر فكرة ما أسماها "الإدارة الذاتية" في الأحياء الشرقية من قبل تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي ومن معه من المدنيين الذين أرغمهم على الانخراط معه.
دي ميستورا يعود بهذه الفكرة الجهنمية بعد فشله السابق في إنقاذ إرهاب القاعدة المتمثل في تنظيم "جبهة النصرة" الذي عرض عليه الخروج الآمن من الأحياء الشرقية. ويبدو من الفكرة ذاتها أن دي ميستورا ليس سوى وسيط إسرائيلي ـ أميركي، وليس مبعوثًا أمميًّا، لأن تقسيم سوريا الدولة العضو في الأمم المتحدة يفترض أن يكون مرفوضًا من قبل المنظمة الدولية وليس مسعى لها.
لا نعتقد أن هناك جديدًا فيما طرحه المبعوث الأممي إلى سوريا، إلا القدر الذي يؤكد أن تدمير سوريا وتفتيتها هو مخطط تعمل عليه القوى المتآمرة والمعادية لسوريا، ويأتي دور الأمم المتحدة من موقع إضفاء الشرعية على مخططات التآمر هذه، وتعبيد الطرق أمام هذه القوى، لا سيما وأن دي ميستورا يعود مهرولًا إلى دمشق بعدما بدأ الخناق يضيق على التنظيمات الإرهابية بقيادة "جبهة النصرة" في أحياء حلب الشرقية، حيث ساعة الصفر قد اقتربت، لكن دي ميستورا نسي أو تناسى أنه بهذا إنما يكتب لنفسه نهاية سياسية قد تكون أقبح وأرذل من نهايات من سبقه من المبعوثين الأمميين مثل كوفي أنان والأخضر الإبراهيمي، خاصة وأنه يسعى وقد افتضحت اللعبة ووصلت إلى نهاياتها.