[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]

كان جبران خليل جبران يقول " أبناؤكم ليسوا لكم "، هو في الحقيقة يقصد أن الأبناء يتغيرون عن آبائهم في كل شيء تقريبا، من الأفكار إلى التطلعات إلى الثقافة إلى النظرة الإنسانية والأحاسيس المختلفة .. كأنما كان يريد القول أيضا اتركوهم وشأنهم لاتقتربوا من تجربتهم كي لاتخربوها بقديمكم.
ولكن المجتمع لايبنى الا بافكار اصحاب التجارب، وهم الآباء، فماذا نفعل كي ننتفع بالخبرة وبالعقل الجديد الذي لاتجربة له في آن معا.
في حدود الحالة العربية الراهنة المعقدة والصعبة، فإن الطرفين المشار إليهما عاجزين عن اللحاق بها إلى حد بعيد حتى وأن نجحا في تفسيرها كل من زاوية فهمه لها. لهذا تغيرت الحياة العربية ولم تتغير أفكارهما، بدلت الاحداث السريعة تصورات كانت قائمة مثل الانتماء، فصار الطرفان ينظران إليها نظرة شوفينية متعصبة بدل الانفتاح الذي ساد العلاقة مع العالم. صحيح ان الوطن اولا كان دائما من ثوابت العلاقة الفردية ببلده والعالم ، الا انها اليوم اتخذت من العصبية الوطنية حقيقة وجودها. صار العراق اولا، وسوريا اولا، وليبيا ايضا، وكذلك اليمن، وكان الاردنيون قد قالوها منذ ماقبل الاحداث، وبطبيعة المصري فان مصر بالنسبة اليه تتفوق على اي حس آخر، وكذلك الجزائري، (كادت مباراة كرم قدم بين مصر والجزائر ان تتحول الى حرب بينهما، وبالطبع كانت الوطنية اولا هي الاثارة).
عندما يتهدد بلد ما حربا مصيرية وجودية، يكون الحل عادة نهوضا وطنيا على الفور .. يقف الاباء بخبراتهم والابناء بسواعدهم ليقرروا كيف عليه الرد الحاسم الذي لايترك شكوكا في رؤية الطرفين وفي ردود افعالهما. المؤكد ان الطرفين يقران بالموقف الموحد لكن كل من زاوية قدراته الفكرية، فيما تميل الدفة الى عنصر الابناء لأنهم وحدهم من سيتحمل المعنى التنفيذي لفكرة النهوض وتبعاتها اللاحقة .. عندما يصبح " الوطن اولا واخيرا " .. وفي تراث الشعوب مايؤكد ذلك. عندما ظهر نابليون بونابرت كتب الموسيقار بيتهوفن احدى سيمفونياته اهداء له، لكن حين تمادى بونابرت في اكتساح العالم وشعر بيتهوفن ان بلاده مهددة منه ايضا كتب سيمفونيته الاخرى بمعنى مختلف صور فيه نابليون على انه سفاح وديكتاتور وقاتل .. وحين اجتاح هتلر روسيا التي كانت مهددة بحرب اهلية، سارع ستالين الى ندائه الشهير ان دافعوا عن روسيا الأم وكان له ماأراد من هبة وطنية شاملة وقف فيها الاباء الى جانب الابناء .. وفي فيتنام شبيه بذلك، بل في كل محطة واجهت حدثا من هذا النوع.
العالم العربي اذن يعيش ارهاصات جديدة عليه ان يتماثل معها وهو يفعلها اليوم لأن الكل مهدد ومصير الوطن اسود قاتم ان لم تتوحد نظرتا الاباء والابناء، ومعها جهدهما، فالخطر يتهدد الجميع، ومعنى هذا الخطر انه وجودي يريد اجتثاث الجذور وسلب الارض والعرض .. هي تجربة فريدة، فليست المسألة مجرد احتلال جيش فقط تبعاته الاساسية وجوده العسكري ، بل ان " داعش " ومشتقاته ، قوى احتلال ايضا لكنه قادم من قلب المجتمع ، وهذا خطورته البنيوية، حاملا افكاره البديلة تماما عن كل ماهو قائم وما تم إنجازه خلال مئات السنين ..
عندما تصل الاوطان الى هذا المصير يصبح ابناؤكم لكم وكل الوطن ابناء وآباء في وحدة لاانفكاك فيها.