[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

على وقع اختيار صناع القرار الأميركيين لدونالد ترامب بدلًا من هيلاري كلينتون لقيادة الولايات المتحدة لمرحلة جديدة يمتد عمرها ولاية أو ربما ولايتين، وفي ضوء تكون ملامح الإدارة الجمهورية الجديدة، تشهد القارة العجوز بداية من فرنسا حراك التلاقي اليميني بنزعته المتطرفة مع المرحلة الجديدة للولايات المتحدة التي رأت في ترامب أنه الرجل المناسب بنزعاته اليمينية المتطرفة القادر على إحداث التغيير المطلوب، والقادر على ردم الثقوب التي أحدثتها إدارة الرئيس جورج بوش "الصغير" وإدارة الرئيس باراك أوباما، وعلى ترميم ما انهار من جدران السياسة الأميركية وبخاصة السياسة الخارجية.

معروف عن القارة العجوز أنها مجرد تابع للولايات المتحدة وخادم لسياساتها ومشاريعها في العالم، وتوصف بأنها "بيبي أميركا"، فكثيرًا من المواقف والقرارات السياسية والاقتصادية التي تتخذها دول الاتحاد الأوروبي تأتي تحت عناوين نزعات ومخططات أميركية بحتة، وترجمة للمساعي السياسية والاقتصادية الأميركية، وعلى حساب المصلحة الداخلية ودافعي الضرائب والكادحين الأوروبيين في مختلف مجالات الإنتاج، ولعل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها دول الاتحاد الأوروبي على روسيا الاتحادية ـ على سبيل المثال ـ تعد أبرز مثال على ذلك، حيث بدا ضرر العقوبات على المنتج الأوروبي ودافع الضرائب أكبر على روسيا التي استطاعت أن توجد بدائل في سبيل التغلب على ذلك. وما يؤكد أكثر على تبعية أوروبا للولايات المتحدة ما صرح به الرئيس باراك أوباما مؤخرًا ، خلال مؤتمر صحفي في برلين، أن محادثاته مع قادة الاتحاد الأوروبي أظهرت ضرورة استمرار القيود والعقوبات المفروضة على روسيا.إلا أن تقارير صحفية كشفت أن العديد من زعماء أوروبا يتوقعون أن يرفع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب العقوبات المفروضة على روسيا. وقالت صحيفة "بوليتيكو" إن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية يمكن أن يؤدي إلى انهيار نظام العقوبات المفروضة على روسيا قريبًا. وهذا يعني أن أغلب القادة الأوروبيين ـ إن لم يكن كلهم ـ يدركون الثمن الباهظ الذي تدفعه مصالح بلدانهم، وتتكبده اقتصاداتها، وتأثير ذلك على المنتجين الأوروبيين جراء سياسة التبعية.

وفي سياق التبعية ذاتها، رغم الشواهد والأدلة التي يلمسها المواطن الأوروبي بدءًا من المسؤول وحتى البسيط، تتجه أوروبا نحو تقاسم الولايات المتحدة بقيادة ترامباليمينية المتطرفة والنزعة القومية والانغلاق والانكفاء نحو الداخل، وهو ما سيترتب عليه التحول نحو العنصرية والشوفينية عبر صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة وتصاعد النبرة الطاردة للغير أو الأجانب أو للأجناس والأعراق المختلفة، بحيث تبقي على العنصر "العريق" الأوروبي والأميركي، والبدء برسم سياسات عنصرية الطابع تدعو إلى التخلص من المهاجرين بمختلف مشاربهم وأعراقهم، لا سيما المسلمين الذين ترى الأعين اليمينية الشوفينية فيهم كل الشرور والموبقات، وبالتالي من الوارد رؤية عمليات "ترانسفير" إذا ما قرر دونالد ترامب المضي في ترجمة برنامجه الانتخابي بالتخلص من ملايين المهاجرين وخاصة المسلمين، ما يعني القضاء على التنوع الفسيفسائي المعروف داخل المجتمعات الأوروبية والأميركية ودوره اقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا وأمنيًّا.

الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قائد اليسار المَشتَّت، والمهدد بالإقصاء ومغادرة المشهد السياسي، حذر مساء السبت الماضي خلال زيارة له إلى جنوب غرب
فرنسا من هيمنة النزعة القومية و"الانغلاق"، داعيًا إلى الاتحاد. وتساءل هولاند في خطاب ألقاه في بلدة ايجفيف الصغيرة "ما هو الحل؟ هيمنة الليبرالية؟ هيمنة التسلط؟ أنا مع السلطة لكن التسلط ليس السلطة، بل التعسف وإنكار التنوع وخطر اندلاع نزاعات". مضيفًا إن "الأمة هي التي تجمعنا. فرنسا هي وطننا وأنا وطني. إذاأردنا الانكفاء ومغادرة أوروبا والانقطاع عن العالم، فماذا سيكون مستقبلنا؟" مؤكدًا أن "أوروبا يمكننا انتقادها، لكن ماذا بإمكان فرنسا أن تفعل على المستوى الدولي لو لم تكن أوروبا موجودة؟". وهنا ـ دون شك ـ يعلم هولاند أن فرنسا قد تسير على خطى بريطانيا بالتحلل من ربقة الاتحاد الأوروبي، وليس التحول نحو النزعة اليمينية المتطرفة والانعزال والانزواء، ومحاربة الهجرة.

على أن هذه النزعة اليمينية الشوفينية العنصرية المتجهة إلى نحو "العرق الأوروبي الخالص"، تتقاطع بصورة كاملة بل وتتكامل مع النزعة العنصرية الشوفينية المقابلة لها في كيان الاحتلال الصهيوني الذي يعمل على التطهير العرقي بمحاولة اقتلاع أصحاب الأرض من الفلسطينيين والعرب، ويبني سياساته على أساس ما يسمى "يهودية الدولة" الخاصة باليهود وحدهم، وبالتالي فإن من شأن الوضع اليميني المتطرف بعنصريته المقيتة في أوروبا والولايات المتحدة أن يشجع أكثر كيان الاحتلال الصهيوني على وضع سياسات أكثر عنصرية وشوفينية ونازية ضد أصحاب الأرض والحق الفلسطينيين والعرب؛ وهو ما يبعث على الريبة حيال هذه النزعة في الولايات المتحدة وأوروبا بأنها ليست عفوية، وربما وراءها عمل كبير وتخطيط وتنسيق وجهد عالٍ. لكن يبقى السؤال هو: هل ستنجح أوروبا والولايات المتحدة في تحقيق مبتغاها من تبني مثل هذه السياسات والنزعات المتطرفة والعنصرية؟ وماذا لو كانت هذه السياسات والنزعات في دول غير الولايات المتحدة وغير أوروبية؟ فماذا سيكون موقف هاتين القارتين (أوروبا وأميركا)؟