حين تصدق النيات لدى حكومات الدول في التعامل مع العديد من الملفات التي من خلالها تحقق مصالح جمة لها فإنها تبادر إلى التماس إيجابيات يمكن قراءتها بين تلك الملفات قد تساعد في إحداث التقارب اللازم وبناء العلاقة الوثيقة القائمة على الثقة.
فالمنطق يقول بأن علاقات البشر تقوم على أساس تبادل المصالح بغض النظر عن الانتماءات الدينية والأصول العرقية، وقد زادت تداخلات هذه المصالح إلى حد كبير في الآونة الأخيرة، ومن ثم فإن أي حوار ينبغي أن يأخذ في الاعتبار سبل تأمين هذه المصالح الحيوية وعدم تركها نهبًا لمواقف فجائية أو شطحات تنظيرية لمنظرين قابعين في زوايا مظلمة يجترون مواقف جزئية أو ينساقون وراء رغبات فئات تبحث عن مصالح ضيقة.
وفي خضم عراك المصالح وتجاذباتها، فإن علاقات المصالح المشتركة بين الدول العربية ودول القارة الإفريقية لها خصوصيتها وطابعها الخاص يتمثل في الكثير من المعطيات والعوامل المشتركة والجذور التاريخية بحكم الجيرة والانتماءات والثقافات المشتركة والتداخل الكبير بينها، وبحكم العلاقات التاريخية القديمة القائمة بين العرب ودول القارة السمراء.
والتقارب بين طرف عربي وطرف إفريقي يشبه التقارب بين قريبين يكاد ينسى كل وشائج القربى بينه وبين الآخر، لأن التطلعات المشتركة والآمال المتشابهة والمصالح التي هي بحاجة إلى دفع وتعزيز تجعل الشراكة العربية ـ الإفريقية أمرًا شبه حتمي، وعديد من القادة الأفارقة يدركون أهمية التقارب العربي الإفريقي، وأهمية إعطائه الزخم اللازم وتحقيق المنافع المتبادلة، من منطلق أن العرب والأفارقة شركاء في المعاناة التاريخية التي جلبتها إليهم أيادي الاستعمار الأجنبي الذي حرمهم من حقوقهم وسلبهم ثرواتهم، وأثار الفتن بينهم، ولا تزال هذه الأيادي الاستعمارية تعبث باستقرار القارتين الإفريقية والآسيوية وتحديدًا الدول العربية، وتعرقل فيها مظاهر التنمية، وترى في ثرواتها حقًّا مشاعًا لها لتدوير تروس اقتصاداتها.
والشعار "معًا لتنمية مستدامة وتعاون اقتصادي" الذي اتخذته القمة العربية ـ الإفريقية الرابعة التي تنطلق أعمالها اليوم في عاصمة غينيا الاستوائية "مالابو" وبمشاركة السلطنة، يعكس الإرادة نحو تعزيز العلاقات ودعم التعاون العربي ـ الإفريقي، لا سيما أن هناك 10 دول عربية تنتمي إلى القارة السمراء، الأمر الذي سيسهم بشكل كبير في دفع هذه العلاقات على الجانبين الاقتصادي والسياسي، ويرتقي بها إلى المستوى الذي تأمله وتريده الشعوب العربية والإفريقية في ضوء الروابط الثقافية والتاريخية العميقة بين الجانبين.
وتكتسب هذه القمة في دورتها الرابعة أهمية كبرى بعد أن أصبحت إفريقيا مرتعًا خصبًا للنفوذ الإسرائيلي الساعي إلى عزل الدول العربية وإدخالها في أتون المزيد من الحروب والمشاكل، ولعل النفوذ الإسرائيلي في أثيوبيا وما ترتب عليه من انعكاسات على العلاقات الأثيوبية المصرية ـ السودانية بسبب سد النهضة، وكذلك التغلغل الإسرائيلي في جنوب السودان الذي كان أحد الأسباب المفضية إلى تقسيم السودان، والحبل على الجرار، يؤكد الحاجة الملحة والمشتركة لدى الجانبين العربي والإفريقي إلى النظر في مصالحهما المشتركة، وتغليب لغة العقل والمنطق والمنافع، خاصة وأن الروابط بينهما ليست طارئة وإنما قديمة وعميقة، لا سيما وأن ثمة مجالات كثيرة يمكن أن تعطي نتائج مبهرة وتكون عند مستوى الآمال والطموحات، حيث المجال الزراعي والأمن الغذائي والصناعي والتجاري، ومجال الاتصالات وتقنية المعلومات وغيرها التي يمكن أن تسهم في مضاعفة الفرص المتاحة في الجانب التنموي عربيًّا وإفريقيًّا، خاصة في ضوء مشاركة عدد من رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأفارقة في الاجتماعات التحضيرية للقمة، بالإضافة إلى مجال الهجرة ومحاربة الإرهاب. وحسب القيِّمين على جدول أعمال القمة، فإن النقاشات ستدور حول إمكانية قيام الهيئة العربية للطاقة الذرية بتنظيم برامج لتدريب الكوادر الإفريقية، وبتمويل عربي، في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، خاصة في مجالات إنشاء مفاعلات نووية إفريقية لتوليد الكهرباء، حيث هناك عدد من الدول الإفريقية يرغب في إنشاء عدد من المفاعلات النووية، وهذا يتطلب تكوين كوادر إفريقية وتدريبها من الهيئة العربية للطاقة الذرية، حتى تتمكن من تشغيل هذه المحطات، وسيكون هذا التدريب متاحًا للبلدان الإفريقية بالتعاون مع جامعة الدول العربية.
إذًا، هناك عوامل تكامل تدعو بقوة إلى استثمار العلاقات العربية ـ الإفريقية وترسيخها، فالمال العربي والخبرة العربية يمكن أن تتكامل مع الثروات الخام البشرية والطبيعية للقارة السمراء، ما سيبني تنمية شاملة ومستدامة، ويقيم مصالح ومنافع متبادلة ومشتركة.