”.. إفراغ المدن وبعض حافاتها من مكونات معينة واستبدالهم بآخرين لا يحل المشكلة، وإنما يفاقمها ويفتح الطريق أمام صراعات طائفية واقتتال لا يمكن لأحد أن يوقف دوامته إذا انطلقت شرارته ليضيف إلى أزمات العراق أزمات أخرى ذات طابع طائفي. وعلى الرغم من مخاطر سياسية إفراغ المدن من ساكنيها وتوطين آخرين بدلا عنهم إلا أن الواقع يشير إلى استمرار هذا النهج الخطير والإصرار على تنفيذ صفحاته”.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]

تسبب الصراع الطائفي في العراق وتغول أدواته في المجتمع العراقي إلى تغيرات جوهرية في ديمغرافية المدن وصلت إلى حد استباحة أهلها وتوطين آخرين بدلا عنهم في بيئة غريبة عنهم طبقا للتوصيف الطائفي.
والحديث عن تغييب المدن وطمس هويتها خلال السنوات الماضية فإننا نتوقف عند ما جرى في الحويجة في ابريل/ نيسان 2013 الذي لم يكن حدثًا عابرًا يمكن السكوت عليه، ولكنه كان جريمة في المقاييس والمعايير كلها، إلا أن المخجل والمدان أنها ووجهت بصمت محلي وعالمي، زاد من مأساتها على جميع الصعد.
ولم يقتصر التغيير الديمغرافي وعمليات القتل والاعتقال والتهجير كما جرى في الحويجة التابعة لمحافظة صلاح الدين، وإنما شمل مناطق حزام بغداد وأخرى في محافظات أخرى لم تعد خافية الأهداف التي تقف وراء هذا المخطط الذي يستهدف تقطيع أوصال العراق وإعادة إنتاجه من جديد على أسس طائفية تتقاطع مع موجبات العيش المشترك بين المكونات العراقية.
وإفراغ المدن وبعض حافاتها من مكونات معينة واستبدالهم بآخرين لا يحل المشكلة، وإنما يفاقمها ويفتح الطريق أمام صراعات طائفية واقتتال لا يمكن لأحد أن يوقف دوامته إذا انطلقت شرارته ليضيف إلى أزمات العراق أزمات أخرى ذات طابع طائفي.
وعلى الرغم من مخاطر سياسة إفراغ المدن من ساكنيها وتوطين آخرين بدلا عنهم فإن الواقع يشير إلى استمرار هذا النهج الخطير والإصرار على تنفيذ صفحاته، وما جرى في منطقة الرحالية التابعة لمنطقة النخيب بمحافظة الأنبار دليل آخر على استمرار سياسة التغيير الديمغرافي على أسس طائفية، حيث تم اعتقال العشرات من أبناء الرحالية وتهديد المئات من سكانها بالرحيل إلى أماكن أخرى في الأنبار، ومعلوم أن النخيب تحادد المملكة العربية السعودية ومنفتحة على محافظة كربلاء، وهنا تكمن الإشكالية التي تناغمت مع دعوات إعادة رسم خريطة حدود المحافظات العراقية من جديد لإعطاء الغطاء القانوني لتثبيت حدود المقص الطائفي الذي حدد ملامح المحافظات العراقية على وفق الأهداف المرسومة.
لقد آن الأوان لوضع حد لهذه الممارسات التي تتقاطع مع تطلعات العراقيين بوطن موحد تسوده العدالة تتعزز فيه أسس الشراكة بين مكوناتهم، وليس الصراع على ترسيم الحدود الإدارية للمحافظات والمدن والقرى العراقية، حيث لا يعقل أن يتقاتل أبناء الوطن الواحد على معالم وطنهم وحدوده على ضوء المقص الطائفي الذي يعمق الخلاف ويثير المخاوف، ليس على المدن المشمولة بالاستهداف، وإنما على هوية الوطن ووحدته ومصير التآخي بين مكوناته الذي كان صمام الأمان للعراق على مدى العقود الماضية.
إن تغييب المدن وإعادة إنتاجها طائفيا من جديد، والإصرار على سياسة التغيير الديمغرافي واستمرار المقص الطائفي بتشويه معالم العراق الواحد سيفتح الطريق أمام الأطماع الخارجية، ويسهل تنفيذ أهدافها ويعجل من تقسيم العراق وتدمير أسس الشراكة بين مكوناته التي أفشلت المخططات الخارجية.
ونختم بالقول إن التغاضي والصمت على سياسة التهجير وتغيير معالم المدن العراقية سيؤدي إلى الاحتراب الطائفي، ويحمل القائمين على حكم العراق مسؤولية التفريط بوحدة العراق وضياع مستقبله، ويضعهم في دائرة المسؤولية القانونية والأخلاقية إزاء ما سيحدث ويجري في العراق من تداعيات وحروب طائفية محتملة، إذ لم يتوقف المقص الطائفي عن تدمير العراق وتفتيته وتقطيع أوصاله.