ينوي ترامب مصادرة النفط العراقي (بعد أن وصفه بثاني أكبر خزين نفطي في العالم)، تعويضًا عما أنفقته الولايات المتحدة لـ"تحرير" العراق، بمعنى أن موضوع "مصادرة" النفط العراقي لن يكون رهنًا بالتفاوض أو بموافقة الحكومة العراقية، لأن مصادرة النفط العراقي إنما ستندرج في حقل "تسديد الديون" قسرًا.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

لست أشك قط بأن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إنما سيدشن سياسة أميركية مفاجئة نحو دول الشرق الأوسط، سياسة أقل ما يقال عنها إنها تعتمد منظومة معايير مبتكرة، أو جديدة، على أقل تقدير. هذه السياسة ستشكل انحرافًا حادًّا عن الخط التقليدي السابق حيال دولنا على نحو جذري وغير متوقع، بمعنى أنه لا يمكن لأولي الأمر في بلداننا إلا اعتماد سياسات جديدة موازية تواكب المتغيرات الأميركية، بمعنى اعتماد مبادئ تجنب المواجهة المباشرة، والتوازن وعدم الانجراف بالعواطف نحو ندٍّ قد لا يميل إلى "المداعبة".
وكنموذج لما هو مصداق على ما أفترضه في أعلاه، يمكن للمرء استحضار ما كشف ترامب النقاب عنه، على نحو صريح، حول العراق: فبالرغم من أن ترامب قد كرر "أن احتلال العراق كان خطأ"، إلا أن الأهم هو أنه قد وضع هذا الاحتلال في سلة السياسات الأميركية الخاطئة القاضية بإسقاط بعض الأنظمة العربية، بدليل توكيده مرارًا وتكرارًا على أن إسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين كان من الأخطاء الكبرى التي تمخضت عن ولادة ما يسمى بـ"داعش" ومن ثم "الدولة الإسلامية"، منحيًا بلائمة انتشارهما على نحو مسرطن مذهل عبر المنطقة على ذات الاحتلال كذلك، الأمر الذي يلقي الضوء على شعوره بخطأ المساعدة على إسقاط نظام القذافي، باعتبار تحول ليبيا إلى حاضنة لأنواع الشبكات الإرهابية التي لا تختلف كثيرًا عن القاعدة أو عن داعش، حسب ما ذهب إليه.
وتأسيسًا على نقضه سياقات السياسات الأميركية السابقة بحذافيرها، تسقط السياسة السائدة الآن والقاضية بإسقاط الرئيس السوري، بشار الأسد، على نحو مفاجئ وهادر في ذات سلة الأخطاء التاريخية، درجة احتمال محاولة إدارة ترامب التقارب معه وإليه، بوصفه نظامًا سوريًّا عريقًا قادرًا على مواجهة الإرهاب وصده.
وعود إلى العراق، ينوي ترامب مصادرة النفط العراقي (بعد أن وصفه بثاني أكبر خزين نفطي في العالم)، تعويضًا عما أنفقته الولايات المتحدة لـ"تحرير" العراق، بمعنى أن موضوع "مصادرة" النفط العراقي لن يكون رهنًا بالتفاوض أو بموافقة الحكومة العراقية، لأن مصادرة النفط العراقي إنما ستندرج في حقل "تسديد الديون" قسرًا.
هذا هو المنطق الذي، على الرغم من تنافره مع منطق "خطأ" احتلال العراق، إنما يفتح الطريق سالكة وعريضة أمام إعادة انتشار القوات الأميركية عبر العراق، ليس فقط من أجل كبح وبتر الشبكات الإرهابية التي تأسست بداخله، ثم انتشرت منه، ولكن كذلك من أجل تيسير عملية "شفط" النفط العراقي، تسديدًا لديون بغداد التريليونية!
إن ما أحاول تطويره من جدل هنا، إنما هو مبتنى على رصد وتحليل الخطوط العريضة لسياسات إدارة ترامب القادمة (ستستلم مقاليد الحكم بعد شهرين)، إذ ينطبق ما جاء في أعلاه بشكل مثالي على العديد من دولنا في في الشرق الأوسط. بل إن غاية ما تخشاه إسرائيل هو اعتماد ذات المعيار الذي ينوي ترامب تطبيقه على العراق في تشكيل سياسة واشنطن نحو تل أبيب، بمعنى أن "أميركا أولًا"، وأنها تتوقع تعويضًا أو مقابلًا نقديًّا إزاء ما تقدمه من خدمات "حماية" و"تحرير" و"دفاع".