كتب- هيثم العايدي: تعد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي من القلائل في العالم التي تحقق موازناتها كل عام فوائض بالمليارات نظرا لانخفاض الكثافة السكانية فيها مقابل ارتفاع عائداتها خاصة مع الارتفاع المتواصل في أسعار النفط.
وحققت موازنات دول مجلس التعاون في العام 2013 فائضاً بلغ 146.7 مليار دولار 37% منها كانت من نصيب المملكة العربية السعودية أو ما يعادل 54.9 مليار دولار فيما كانت مملكة البحرين هي الدولة الوحيدة التي لم تحقق فائضا بل شهدت عجزت بـ1.3 مليار دولار. ويجعل هذا الفائض نصيب المواطن الخليجي من إجمالي الفوائض في حدود 4.6 ألف دولار.
ولا شك أن دول الخليج تتطلع الى المزيد من المشاريع التنموية خاصة في قطاع البنية الأساسية وتوجيه فوائض الميزانيات في هذا الشأن خاصة وأن الفوائض الضخمة كانت هي المحرك الأقوى لمخططات التنمية الكبرى التي تجري على الساحة منذ عدة سنوات.
وساهم الارتفاع المتواصل لأسعار النفط في السنوات الماضية، في تعزيز هذه الفوائض، وفي التوسع التنموي الذي شمل كل القطاعات، بما في ذلك البنى الأساسية والمشاريع الصناعية إضافة إلى دعم التعليم وفق أسس متطورة، تحاكي الاحتياجات الحقيقية لهذه الدول على المدى البعيد.
وحددت غالبية دول المجلس عام 2030 حدا أقصى لتحقيق أهداف الاستراتيجية التنموية. بل إن نسبة من هذه الفوائض رصدت من أجل محاكاة التطورات المتلاحقة التي تجري على صعيد بدائل الطاقة.
كما أنه ولسنوات مضت كان جانب كبير من هذه الفوائض يرصد للاستثمارات الخارجية حيث يمكن ارجاع ذلك الى أن الخطط االتنموية في ذلك الوقت لا يمكنها استيعاب الفوائض كلها. وتنوعت الاستثمارات الخليجية بالخارج لتشمل مشاريع البنى التحتية والتجارة والصناعة والمصارف، والإسكان إلى جانب العقارات التي حققت في السنوات القليلة الماضية، قفزات كبيرة في بعض الدول الغربية كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة
ومع التوجه الخليجي للاستثمار بالخارج زادت الشهية لاقتناص فوائض الموازنات الخارجية.
فعلى سبيل المثال وفي ظل حزمة من الخطط الحكومية البريطانية التي ينسجم فيها الاقتصادي مع الدبلوماسي، لتحقيق مراد لندن بأن تكون أحد مراكز الاستقطاب الدولية لرؤوس الأموال الأجنبية يقول مايكل بويد المدير العام لمجموعة الاستثمار في الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار تراهن لندن على أن تلعب الروابط التاريخية الطويلة والعلاقات التجارية المشتركة، بالإضافة لمكانتها كمقر لتأسيس وتداول الأعمال وكوجهة أولى للاستثمارات الأجنبية بشكل عام، والخليجية بشكل خاص، دورا أساسيا في مساعيها لجذب المستثمرين الخليجيين.
وأعلنت الهيئة البريطانية للتجارة والاستثمار أن المملكة المتحدة أعدت خططا لإنجاز مشاريع تجديد استثمارية مفتوحة أمام المستثمرين الخليجيين، تصل قيمتها لأكثر من 100 مليار جنيه استرليني. وتسعى لندن لاستقطاب بعض المستثمرين الخليجيين في مجموعة من المشاريع التي ستقود لتطوير 27 مليون متر مربع من الأراضي لإنشاء 220 ألف منزل، على أن تبلغ حصة بريطانيا في هذا المشروع 17 مليار جنيه استرليني، وستصل حصة القطاع الخاص البريطاني من إجمالي حصة المملكة المتحدة في المشروع نحو سبعة مليارات استرليني. كما تتطلع اليونان التي تحاول التعافي من أزمة مالية طاحنة الى الاستثمارات الخليجية
ويقول مدير العلاقات الدولية باتحاد الشركات اليونانية (لوانيس باتسيفوس) إن بلاده تتطلع لاستقطاب استثمارات تبلغ نحو 10 مليارات يورو (13 مليار دولار) في السنوات القليلة المقبلة من دول الخليج العربية، وإن بعض الشركات الخليجية أبدت رغبتها في الاستثمار في اليونان.
وكان باتسيفوس يتحدث إلى الصحفيين على هامش لقاء للترويج لفاعليات المنتدى العربي اليوناني الثالث الذي سيعقد في اليونان في 23 سبتمبر المقبل، والذي تنظمه الغرفة العربية اليونانية واتحاد الصناعيين اليونانيين. والمنتدى هو الثالث، إذ أقيم الأول عام 2006 والثاني عام 2008. كما أفاد بأن بلاده تعمل على قانون جديد للاستثمارات الخارجية ومن ضمنها إعفاء الشركات من الضرائب لمدة 5 سنوات، وتخفيض الضرائب بعد ذلك إلى 15% من 25%، وهي من ضمن الحوافز التي تعمل عليها اليونان في كفاحها لتنشيط الاقتصاد الذي تضرر بفعل الأزمة المالية العالمية. كذلك تسعى أستراليا لجذب المزيد من الاستثمارات الخليجية إليها في كافة المجالات، لا سيما في المشاريع الزراعية والغذائية.
ويقول وزير التجارة والاستثمار الأسترالي آندرو روب إن بلاده بحاجة إلى استثمارات تفوق التريليون دولار خلال السنوات العشر إلى العشرين المقبلة واضعا عينه على عدد من الصناديق الاستثمارية والسيادية الخليجية.
وأشار إلى أن استثمارات بمئات المليارات من الدولارات مطلوبة لتطوير شمال أستراليا، وهناك حاجة للقيام بأعمال هندسية أساسية ولبناء السدود، إضافة إلى بناء الموانئ ومحطات القطار ومحطات لتوليد الطاقة للمشاريع الزراعية. كذلك كشف مستثمرون وخبراء عقارات عن اقبال الشركات العقارية الخليجية للاستثمار في دول أوروبية وأفريقية وأسيوية، خاصة بريطانيا وتركيا ومصر.
وقالوا إن هذا الاقبال يعود الى التسهيلات التي تقدمها دول أوروبا وبعض الدول العربية للمستثمر العقاري الخليجي، اضافة الى تحقيق المشروعات العقارية بالدول الاوروبية خاصة بريطانيا لزيادة في صافي الربح يصل الى ستة بالمئة بعد تحصيل الضرائب، ما يعتبر استثمارا جيدا.
وفي مقابل ذلك يبرز طموح لدى الخليجيين في توجيه هذه الفوائض الضخمة في الميزانيات في مشاريع البنية الاساسية والمشاريع التنموية في اطار التنوع الاقتصادي الذي تسعى له دول المجلس. فلابد لدول الخليج أن توفر البنية الاساسية للاستثمار سواء في المجالات الصناعية أو اللوجيستية أو السياحية. ولعل أهم المشاريع الاستراتيجية لدول مجلس التعاون هو مشروع القطار الخليجي الذي من المفترض أن يبدأ تشغيله خلال السنوات القادمة.
وقد كلفت دول مجلس التعاون شركات وبيوت خبرة عالمية متخصصة بإجراء العديد من الدراسات بل وصل بعضها الى مرحلة الدراسات التفصيلية وتم رسم خارطة طريق للمشروع حددت خطوات العمل والجدول الزمني المقترح لكل مرحلة. ومن المقرر أن يبدأ مسار الخط الحديدي الخليجي من مدينة الكويت مروراً بمدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية إلى مملكة البحرين عن طريق الجسر المقترح إنشاؤه موازياً لجسر الملك فهد ومن مدينة الدمام إلى دولة قطر عن طريق منفذ سلوى وكذلك سيربط دولة قطر مع مملكة البحرين عبر جسر قطرـ البحرين المزمع إنشاؤه بينهما ومن المملكة العربية السعودية مروراً بمنفذ البطحاء إلى دولة الأمارات العربية المتحدة أبو ظبي ـ العين ومن ثم إلى السلطنة عبر صحار إلى مسقط. كما فرضت الأحداث بالمنطقة على دول الخليج ان تكون وجهة لاستقطاب العديد من السائحين.
وفي هذا الاطار يتعين على دول المجلس المضي في إعداد استراتيجية خليجية موحدة للاستثمار السياحي مع إقامة المشروعات السياحية في مجال الفنادق والضيافة والإيواء السياحي وإقامة المدن الترفيهية والمنتجعات الصحية (السياحة العلاجية ).
أما فيما يخص القطاع الصناعي فتحتاج دول المجلس لاستكمال البنية الاساسية المساهمة في هذا القطاع وعلى رأسها تطوير المطارات والموانئ وطرق النقل البري اضافة الى التوسع في المدن الصناعية والمناطق الاقتصادية الحرة. ان الارتفاع المتواصل لأسعار النفط والذي كان له الفضل الأساسي في تحقيق هذه الفوائض في الميزانيات لا ضمانات لبقائه عند مستوياته الراهنة.
فهذه الأسعار بالتحديد شديدة الحساسية خاصة مع التقلبات الاقتصادية والسياسية. ومع مشاريع الطاقة البديلة، وما أصبح يعرف بالغاز الصخري، فإن إمكانية انخفاض أسعار النفط واردة، خصوصاً إذا ما حققت المشاريع المشار إليها قفزات حقيقية لا وهمية.
يضاف إلى ذلك، أن الطلب على النفط مرتبط بالحراك الاقتصادي الدولي وأيضا الأوضاع السياسية. ولهذا بات تنويع دول الخليج لمصادر الدخل حاجة استراتيجية كما أن استثمار فوائض الميزانيات يحقق كثيرا من الأهداف.