يعتقد البعض خطأ أن التوجه نحو التنويع الاقتصادي الذي تعتمد عليه الخطة الخمسية التاسعة في عدد من القطاعات، مثل التعدين والسياحة والصناعة عمومًا والصناعات التحويلية بشكل خاص، والسياحة والزراعة والثروة السمكية، هو توجه جديد يرتبط بالأزمة الحالية التي تلمُّ بسوق النفط، والبعض يراه مرتبطًا باستراتيجية 2020 خاصة في الخطتين الخمسيتين الثامنة والتاسعة، لكن المتابع للتطور التنموي الحاصل في السلطنة منذ بداية عصر النهضة المباركة، سيدرك أن الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ قد قامت على خطط محكمة منذ بواكير النهضة المباركة، تسعى إلى استخدام أموال النفط لبناء البنية الأساسية، والنهوض بقطاعات بناء الإنسان من تعليم وصحة، حتى يتسنى للسلطنة تنويع مصادر دخلها.
فقد أكد جلالته ـ أبقاه الله ـ في أكثر من خطاب أن النفط هو مصدر ثروتنا الأول، وأن عائداته استطاعت أن تطور السلطنة، وبأمواله حققت معظم المنجزات؛ لذا فقط حرص جلالته دومًا على اتباع سياسة نفطية تصون ولا تفرط، وذلك بوعي قوي، يقدر ثرواتنا ويحسن استخدامها، ويحرص على أن تؤدي هذه الثروة دورها كمصدر للطاقة وكمورد اقتصادي مهم، في حل مشاكل الإنسان وصنع رفاهيته، حيث جندت كل الطاقات من أجل النهوض بمستوى الفرد وتنمية موارده ووعيه اقتصاديًّا، وتم استغلال كافة الموارد الاقتصادية في بلادنا بهدف تحسين دخل الفرد وارتفاع مستواه الاقتصادي.
واعتمدت البلاد في سبيل ذلك على خطة طموحة تهدف إلى تحقيق تنمية شاملة، فعالة ومتوازنة موضوعة وفق برنامج مدروس يقوم على حصر الموارد والطاقات المختلفة للمجتمع وتوجيهها بالاستغلال الأمثل بغية الوصول إلى تحقيق الأهداف المرجوة من التنمية الاقتصادية في ضوء الإمكانات، واختيار الكفاءات العلمية القادرة على تنمية المجتمع، ودراسة موارد الثروة الطبيعية والبشرية، وعمل الإحصائيات الأساسية عن الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة للسكان، والنشاط الزراعي، وتكاليف المعيشة والتجارة الخارجية. وفي سبيل تنفيذ خطة الإنماء الاقتصادي للنهوض بمستوى الفرد، قرر جلالته في العام 1974 تشكيل مجلس أعلى للتنمية الاقتصادية تشرف برئاسة جلالته شخصيًّا، وعضوية أصحاب العلاقة في وزارات الدولة مثل وزارة التجارة والصناعة والسياحة ووزارة الزراعة والثروة السمكية، والنفط والمعادن.
ويدلل هذا التوجه الذي كان في بدايات النهضة المباركة على حرص جلالته على استخدام أموال النفط استخدامًا يتوافق مع التوجه نحو التنمية الشاملة، واستحداث موارد جديدة للدولة، وهو ما يؤكد أن البلاد كانت بفضل الفكر السامي تدار عبر دراسات مستفيضة لا تترك التطور الاقتصادي والاجتماعي تحت رحمة الظروف المرتجلة، بل كانت دومًا تقوم على حسابات علمية مدروسة، وسواعد عمانية تبني قواعد اقتصادية بمجهود لا يعرف الكلل ولا الملل، ولا يقف عند حد، متخذًا من العزم والإصرار أدوات ينجز بها مهمته التي أسست على حتمية أن يكون الاعتماد على الذات هو العنصر الأساسي لكل مشروعاتنا وخططنا للمستقبل. لذلك فإن الجهود منذ الخطة الخمسية الثانية كانت توجه إلى تقوية اقتصادنا، وتنويع مشاريعنا الاقتصادية للتقليل من الاعتماد على المصدر الواحد (النفط).
ولتحقيق هذا الهدف وجهت الجهود ومصادر الدخل إلى إقامة مشاريع حقيقية تشكل فارقًا، وبنى أساسية وموانئ تستغل الموقع الجغرافي الذي حبا به الله السلطنة، فهي خطط عرفت مكامن القوى الاقتصادية للبلاد، فسعت لتأسيس اقتصاد صناعي تجاري، يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي، ويستغل كل شبر في ربوع الوطن لتوزيع عوائد النهضة على الجميع، والابتعاد عن إقامة مشاريع مترفة لا معنى لها، بل شق الصعب ليمهد طريق التنويع بمشاريع الطاقة الكهربائية وتمديدات المياه، وإنشاء الطرق والمساكن والمرافق العامة، بالإضافة إلى مشاريع التنمية الزراعية والثروة السمكية، وعلى مدار العقود الأربعة استمرت عملية تطوير البلاد على أسس عصرية بالتوسع السريع الذي فاق التوقعات.