يا دمًا في معصمِ الأوطانِ، أَضحيتَ الشَّنَار.. زينةً لا فخرَ فيها، وتلاوينَ تَتَار.. أَسْطُرًا من كلِّ أَلوانِ الدَّمار.. سَجَّلَتْ حِبرًا بِعار.. فوقَ طِفلٍ، حَزَّهُ السِّكِّينُ، سِكّينيَ، ظُلْمًا.. صارَ رَمْزًا لتلاوينِ التَّوَحُّشِ، والمَنونِ.. رمزَ قَتلي، رَمْزَ من يقتلُني، أَقتله.. يفْري وتيني.. رمزَ وحشيةِ قتلي وقِتالي، وقتالِ الَأهلِ، ممَّنْ يقتلُوني..

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/aliaklahersan.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]علي عقلة عرسان[/author]

أَطرَبوني حينَ قالوا "ثائرًا"..
قلتُ ارسموني..
عَالِمًا في الخَيرِ أَو في الشَّرِّ، لا فرقَ، وفي لَغْوِ العيون..
عَالِمًا في شأْن أَقراني، وشأْنِ الناسِ، في كلِّ الأَراضي، والقُرون،
"ثائرًا" تَكْفي.. ولكنْ..
أَعْلِنوني.. وارسُموني.. وارسِلوني..
سَلِّحوني.. تَجدوني.. قاتلًا ملءَ جُنوني..
فأَنا مَن يتَّقيهِ الموتُ، إنْ لم تعرفوني..
شِرَّتي تُعمي عيوني..
ودَمي بركانُ تفجيرٍ، لمن يعترضوني..
وأنا مَن.. تَعرفوني..
حين تنسابُ المنايا مثلَ أَفعى في الحُزونِ..
سَلِّحوني.. وارسِلُوني..
والعنوني، حينَ تهديكم عيوني نظرةً،
فيها شُحوبي، وعَذابي، وعِتابي، وشُجوني..
فأَنا أَقتُلُ أهلي، ثم أَهلي يقتلوني..
وأَنا سَفَّاحُ قومي، ثم قومي يذْبحوني..
وأَنا النِّقمةُ، والحقدُ المعتَّقُ في البطون..
وأَنا ميلاد يومِ الفتنةِ الحَمراء،
تجتاحُ بلادي، وتُراثي، وحُصوني..
وأَنا مَن تَعرفوني.
سَلِّحوني، وارسِلوني، واتبَعوني..
تجدوني، قاتلًا ملءَ جُنوني.
- 2 -
حينَ يأتيكم نَبا فَتْكي، تَباهوا،
وامدَحوني، وارسموني، واعلنوني..
فارسَ الهَيجا، بلا أَدنى شُكوكٍ، أَو ظُنون..
وإذا جاءَ نَبا موتي، فلا تَتَّهموني،
فلقدْ أَبلَيتُ، ما وفَّرتُ جهدًا، فاعذروني.
كفِّنوني بدمي، ثم ادفنوني..
لأكونَ الشاهدَ الحَيَّ على قتلي لهم، إذ يقتلوني.
إنَّني لعنةُ قومي،
وأنا الطَّعنةُ، والمطعونُ، والطاعنُ في عِرضي ودِيني..
وأَنا جِسْرُ المنايا..
فوقَهُ يمشي عَدوّي، وصديقي، وحبيبي، وخَديني،
بالدِّما أَحمي عَريني..
وأَنا صوتُ أَنيني..
وأنا مَن.. تَعرفوني.
إنَّني السِّكينُ، والقاتلُ، والمقتولُ، والرُّوحُ الذي..
فعْلُهُ قبرٌ، لكلِّ الضَّوءِ، في عمرِ السنين..
وأَنا نُكْصٌ عن العدلِ المُبين،
وأَنا توقٌ إلى الحقِّ، ولكنْ..
خِنْجري فيضُ فُتوني،
وطريقي، وخطابي، وشُكوكي، ويقيني..
فعلى حَدَّيهِ أَغفو، وعلى خدَّيه أَصحو،
وعلى حدَّيه أَغدو.. من حَنينٍ لحَنيِن.
دَثِّروني بكلامٍ، ودعاءٍ، وسلاحٍ..
وارسِلوني.. تجدوني.. في صَلاةِ الفَجرِ،
في المَسجدِ، والمِحرابُ دُوني..
خَاشِعًا، والطَّرفُ دَامعْ..
مثلَ صُوفي تَجلَّى،
أَو سياسيٍّ مُخادعْ.
في سريرِ النَّهرِ عِربيدًا، وصِلًا ذا فظائع،
في خَراب الحيِّضِلِّيلًا، وبالفُتَّاكِ باتِع،
في هزيعِ الليلِ، رَشقاتِ مَدافِع،
أَينما كُنْتُ، وكُنتمْ..
كَيفما شِئتُ، وشِئتمْ..
تجدوني..
ناقعًا سمي، ومنقوعًا بحقدي وشُجوني..
في خُمَارٍ من كؤوس الكرمِ، تشفي لي مُجوني..
فلقد ضقتُ بهم، ضِقْتُ بنا، ضِقتُ بكم،
ضاق دمي..
ضَاق بي حتى أَنيني.. "..
فأَنا الخوفُ، وخصبُ الضِّفَّتين:
ضِفَّة الشرِّ المصفّى..
ضِفَّة الخيرِ المصفّى..
وأَنا وهْمي.. يقيني..
وأَنا كلُّ النَّقائضُ، في جَبيني..
وأنا فيضُ حَنيني..
لزهورِ الياسمينِ،
ولورد الشامِ، جوريًّا، وزهرِ الزيزفونِ..
لفتاة تزرعُ الشَّمسَ على دَرْبي، وتهديني الحَنان..
ولبيتٍ دافئٍ، في حضنه ماءٌ، وأَسماءٌ، وعِزٌ، وأَمان..
فيه من أعطيه.. يعطيني.. بهاءاتِ الزَّمان..
ومَواويلَ المُغني، وتراتيلَ البيان..
فأنا الرُّوحُ المُعنَّى، وأَنا الحُرُّ المُكَنَّى،
وأَنا الشَّخصُ المُهان..
وأَنا مَوتٌ، وسُقمٌ، ونِفارٌ، وطِعان..
وأَنا هذا، وهذا.. وأَنا بوحُ المَكان..
هاؤم اقروا كلَّ أَسرار حياتي في بيان..
فأنا كلُّ النَّقائضِ في جَبيني،
في مَدى عقلٍ حَرونِ.
دَثِّروني بكلامٍ، ودعاءٍ، وسلاحٍ، واطلقوني..
تجدوني عابدًا ملءَ جُفوني..
قَاتلًا ملءَ جُنوني.
- 3 -
كفِّنوني بدَمي كي تجدوني،
في فيافي الأرضِ، في مِنقارِ طائر..
"يسأَلُ اللهَ دَمٌ.. فيما أَريق،
وعنِ الأطفالِ في قلبِ الحريق،
وعنِ النِّسوة تَغشَاها الضَّواري..
وعن الشَّعبِ المدمَّى والغريق..
وعن اللعنةِ من حولي سُيوفًا،
حدُّها يعطي شمالي ليميني.
لعنةُ التاريخِ أَلوانَ فنوني..
وَشْيُ نفسي، وحَواشِيَّ، وأنواعُ مُتوني..
لعنةٌ تسألُ رُوحي، عن فُتوني وجُنوني،
تسأَلُ الأشلاءَ في أرضي عن الطّغيانِ،
والمأْساةِ، والفُسَّاقِ، واللَّغوِ الحزينِ..
وعن الموتِ الذي أَصبحَ دين القوم، دِيني..
يسألُ اللهَ دمي، يبكي وأَبكي..
وأَقولُ: اللهَ رَبِّي.. كَلَّفوني باسم رَبِّي..
أَنْ أَرى الإيمانَ في بقْرِ البُطون..
أَن أَردَّ الظُّلمَ، والظُّلامَ، بالظُّلمِ، وبالجرم المُبين..
زَيَّفوا وجهي، وأَحلامي، وآمالي، ودِيني..
إذْ أَراني ظالمًا ظُلمَ الأعادي،
وأَرى المظلومَ، في الشِّرَّةِ، دُوني..
وأَنا، والظُّلمُ، والظُّلامُ، في دِرْك مَكينِ..
آهِ.. من خزيي، ومن يومٍ، عبوسٍ قمطرير، يحتويني..
يومَ يَقرا كلُّ خلقِ الِله في عُمقِ عيوني..
لعنةً ملءَ فضاءِ الكونِ، تثوي في مُتوني..
وشتاءً من ظَلامِ القَتلِ، أَوهاني..
وخَلَّاني أَرى وهْمي يَقيني..
ها.. دمُ الأطفالِ مَتْنًا في كتابي..
خاتمًا في أُصبُعي، صبغَ ثيابي..
ها.. دمي المسفوحُ في كل إهابي..
أَسطُرَ النارِ، على كلِّ جِدار..
يرسمُ العارَ، وتحتَ العارِ عار..
قَتْلُنا عارٌ، وقتلُ الحُكمِ عَار..
يا دمًا في معصمِ الأوطانِ، أَضحيتَ الشَّنَار..
زينةً لا فخرَ فيها،
وتلاوينَ تَتَار..
أَسْطُرًا من كلِّ أَلوانِ الدَّمار..
سَجَّلَتْ حِبرًا بِعار..
فوقَ طِفلٍ، حَزَّهُ السِّكِّينُ، سِكّينيَ، ظُلْمًا..
صارَ رَمْزًا لتلاوينِ التَّوَحُّشِ، والمَنونِ..
رمزَ قَتلي، رَمْزَ من يقتلُني، أَقتله.. يفْري وتيني..
رمزَ وحشيةِ قتلي وقِتالي، وقتالِ الَأهلِ، ممَّنْ يقتلُوني..
رمزَ من أُفنيهِ ويفنيني.. على الدَّربِ الحَزين..
في بلادٍ كلُّها أَهلي، وتاريخي، ودِيني.
قاتلي مِنْ أَضْلُعي يَنْشَا،
ومَنْ أَقْتُلُهم، شَعْبي، وأَطفالي،
وغَيْدَا أَجْتَويها، تَجْتَويني..
آهِ.. يا رَبِّي..
يَقِيني..
أَين مِنِّي صِرْتَ.. يا عُمْقَ يَقيني..؟!!
يا شُجوني.. يا شُجوني.. يا شُجوني..
فوقَ ما أَسطيعُ.. فوقَ ما يُمليهِ إعصارُ جُنوني..
فوقَ صبرِ الصَّبرِ، إذْ أَصبرُ، فوقَ الاحتمال..
فوقَ كلِّ الثَّكلِ، والشَّجوِ المُسَجَّى بِجَلال..
في بساتينِ الطفولةِ، في ميادينِ الرِّجال..
جَسدًا يَشتاقُ قَبْرًا..
وتباريحَ جراحٍ، من تباريحِ قِتال..
وسَرايا من نساءٍ في المَنافي، في الرِّمال..
هَدَّهُّنَّ الحزنُ، والتَّرحالُ من حالٍ لِحَال..
أُمتي تَنزفُ من داءٍ عُضال..
ومَدى يسألُ عن فجرٍ يلوح..
عن مدارِ الحُكمِ، والحِكمَة، عن ظِلِّ حنون..
في بلادٍ ضاعَ فيها راشدٌ، والرّشدُ،
وانثالتُ جِراحًا في العيون..
دمعُها هَتْنُ الجفون،
نَبكِها، تبكي علينا..
وتُبكِّينا تصاريفُ المنايا والقرون.