تلعب ذات الميولات العنصرية البيضاء دورًا مهمًّا للغاية في قض مضاجع اليهود الأميركان الذين يمثلون فئة اجتماعية فائقة القدرة على الضغط السياسي بسبب ما أوتيت به من هيمنة على عالمي المال والإعلام. لذا لم يتوانَ ترامب من مهاجمة صحيفة الـ"نيويورك تايمز" التي اتخذ محرروها موقفًا مضادًّا له خلال الانتخابات، خاصة وأن انحيازها ضده كان واضح المعالم في انفعاليته.

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]

لست أعتقد بأن الجمهور العربي، ومنه مراقبيه السياسيين، يدركون جيدًا ما هي دوافع وإرهاصات الجمهور الذي يخرج يوميًّا عبر المدن الأميركية الرئيسية احتجاجًا على فوز "دونالد ترامب" بالدورة الرئاسية القادمة التي تدشن في يناير، 2017. لذا يتوجب على المرء أن يرصد الفئات الرئيسة التي تسهم بهذه التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية نظرًا لأنها قد تتكرر وتتضاعف من الآن فصاعدًا، خاصة مع إعلان الرئيس الفائز تعيين "ستيف بانون" Bannon كبيرًا لفريق خبراء الاستراتيجية في الإدارة القادمة.
تأسيسًا على ذلك راحت طبقات الخوف والقلق الذي يسيطر على قطاعات أميركية شعبية واسعة تتبدى الواحدة تلو الأخرى. سمعة بانون سلبية، لبضعة سنوات سابقة بسبب ما شابها من عنصرية وآراء يمينية متعصبة. من ناحية أولى، يبدو هذا الرجل الذي يفترض أن يكون الساعد الأيمن لترامب من جماعة "تفوق العنصر الأبيض"، White Supremacists، بمعنى أن الجمهور الأميركي الأسود الواسع هو الذي يخشى إدارة ترامب، وهو الذي سيواصل احتجاجه على سياساته التي يفترض أن تنحاز ضد السود، خاصة في سياق ما أثير مؤخرًا من حملة تحمل عنوان "حياة السود مهمة".
وتلعب ذات الميولات العنصرية البيضاء دورًا مهمًّا للغاية في قض مضاجع اليهود الأميركان الذين يمثلون فئة اجتماعية فائقة القدرة على الضغط السياسي بسبب ما أوتيت به من هيمنة على عالمي المال والإعلام. لذا لم يتوانَ ترامب من مهاجمة صحيفة الـ"نيويورك تايمز" التي اتخذ محرروها موقفًا مضادًّا له خلال الانتخابات، خاصة وأن انحيازها ضده كان واضح المعالم في انفعاليته. علمًا أن "بانون" قد قام بعدد من الإجراءات التي تجسد كراهيته للسامية (بمعنى كراهيته لليهود)، خاصة بعد أن حرم بناته من الالتحاق بمدرسة معينة بسبب وجود اليهود بكثرة فيها. وفي هذا الجانب يخالف بانون كامل الاتجاه الرئيس للسياسة الأميركية عبر عقود خلت، بسبب كراهيته لليهود وتناغم هذه السياسة مع محاباتهم منذ تأسيس الاتحاد الأميركي. بل إن إعلان تعيينه من قبل ترامب رسميًّا، قد أثار حفيظتهم على نحو واضح المعالم.
أما الفئة الأكثر قلقًا حيال نية ترامب/بانون هدم المؤسسات الأميركية القائمة والإتيان ببدائل لها، فتتمثل بــ"الليبراليين". والليبراليون هو عنوان واسع لفئات اجتماعية غدت مهمة اليوم لأنها تشمل المؤيدين للزواج المثلي، والمؤيدين "لحق" النساء بالإجهاض، علمًا أن الفئتين أعلاه قد حققت إنجازات تشريعية فظيعة لصالحها خلال دورتي أوباما الرئاسيتين.
إن المعنى الرئيسي، لانتقاء ترامب بانون كبيرًا لمستشاريه الإستراتيجيين، هو إشارة على أنه ضد حركة تحرير المرأة، وهي حركة تعني (في أميركا على نحو خاص) الحرية في استعمال موانع الحمل، زيادة على ما جاء أعلاه حول حريتها في الإجهاض.
وللمرء أن يستذكر، توكيدات هيلاري كلينتون، منافسة ترامب حتى بضعة أيام خلت، على إزالة قانون حمل السلاح بكافة أنواعه لأن ترامب يعتقد بأن حرية حمل السلاح وحرية دفاع المرء عن نفسه بالسلاح الناري إنما هما من أعمدة الجمهورية الاتحادية. وقد وعد ترامب، حتى قبل تعيين بانون بأنه سيعين قضاة جدد من مؤيدي آرائه (وبانون كذلك) على رأس المحكمة العليا The Supreme court التي تعد، دستوريًّا، أقوى من سلطة كل من الرئيس والكونجرس سوية. هؤلاء القضاة القادمون الذين سينتقيهم ترامب، بالتشاور مع بانون، قد ينقضون كامل التشريعات السابقة من نوع زواج المثليين، وحرية الإجهاض، ومنع أو تحديد حرية حمل السلاح، وأهمها إعادة رفع ما يسمى بـ"البيرق الاتحادي"، الذي يعده السود رمزًا مريرًا للتمييز ضدهم منذ بداية تأسيس الاتحاد الأميركي.