[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

يبدو للوهلة الأولى للمتابع للجولات المكوكية لجون كيري وزير الخارجية الأميركي إلى المنطقة أن كيري يغرق في مستنقع الشروط وأساليب الابتزاز الصهيوني في كل جولة من جولاته التي بلغت عشرًا حتى كتابة هذه السطور، منافِسًا بها سلفيْهِ جيمس بيكر في عهد إدارة الرئيس بوش الأب والراحل وارن كريستوفر في عهد إدارة الرئيس بيل كلينتون، حيث يُعلَن في ختام كل جولة عن عدم حدوث تقدم يمكن البناء عليه، وذلك لتعنت المحتل الصهيوني ورفضه لأية أفكار أو خطط لتقريب المسافة بينه وبين الفلسطيني.
وقد كانت لافتة التسريبات الفلسطينية والصهيونية بُعيْد الجولة العاشرة لوزير الخارجية الأميركي بأن هوة الخلاف لا تزال كبيرة، ما يعني أن الجولات التسع السابقة كانت "محلك سر"، في وقت يفترض فيه مشاهدة شيء من النجاح في اختراق الجدران الصلدة التي أقامها ولا يزال يقيمها كيان الاحتلال الصهيوني للتنصل من أي استحقاقات وبما يحقق مآربه التوسعية ومشاريعه الاستيطانية.
إن ظاهر الأشياء يشي بأن هناك اختلافًا جوهريًّا يصل إلى حد التحسس والخصام بين الولايات المتحد الراعي والوسيط وبين حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني على خلفية إفشال الأخير كل جهد تقوم به واشنطن لتحريك المفاوضات وإعطائها طابع الجدية بما يؤدي إلى النهاية المنتظرة وهي التوقيع على اتفاق سلام نهائي، وأن تل أبيب دائمًا ما تضع حليفتها واشنطن في موقف محرج خاصة حين يتعلق الأمر بعملية التفاوض، ويتبدى هذا الظاهر في صور عدة يتم إخراجها بعناية فائقة لتبدو في القراءة المتواضعة للمتابع أن هذه الصور تسبب موقفًا محرجًا ومخجلًا للولايات المتحدة أمام العالم لا سيما أمام شركائها في اللجنة الرباعية الدولية المعنية بمتابعة عملية السلام، والسؤال الذي يطرح ذاته: هل هذا الاختلاف "الظاهري" هو عين الحقيقة؟ إن مياهًا كثيرة أُجْريت تحت جسر المنطقة والعالم على مدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، إلا أنها للأسف لم تكن بهدف إرواء ظمأ المنطقة المتعطشة إلى السلام والاستقرار والأمن والتنمية والرخاء، وإنما كان الهدف منها هو إغراق المنطقة في الفوضى وتخريب الأرض وتدمير خصوبتها حتى تغدو غير صالحة للحرث وزراعتها بالسلام، ولكي يواصل كيان الاحتلال الصهيوني سياسته الاستيطانية الاحتلالية وممارسة سياساته العنصرية والتهويدية.
وما يلفت الانتباه أن كيان الاحتلال الصهيوني ابتكر سياسة ترحيبية خاصة بقادة حليفه الاستراتيجي الولايات المتحدة ومبعوثيهم لا سيما حين تتعلق زيارتهم بملف الصراع العربي ـ الصهيوني و"عملية السلام"، تتمثل في الإقدام على عملية سرقة وابتزاز بطرح مشاريع استيطانية على النحو الذي رأيناه عند ترحيب كيان الاحتلال بقدوم نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن والمبعوث الأميركي للسلام جورج ميتشل بإعطاء الضوء الأخضر لبناء 112 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وكذلك الحال كان عند قدوم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون والآن جون كيري الذي زادت حكومة الاحتلال حفاوة استقباله تارة برفض رئيسها بنيامين نتنياهو مصافحته وتارة برفض استقباله، إلى جانب التعهد أمامه بمواصلة الاستيطان بالتزامن مع الإفراج عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين الذين تقول حكومة الاحتلال إنها أفرجت عنهم ليكونوا "عربونًا" لقبول السلطة الفلسطينية استئناف المفاوضات تحت حراب الاستيطان. وكانت الإدارة الأميركية الحالية قد بدأت حقبة ولايتها الأولى في البيت الأبيض بمطلب واضح وهو وقف الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة كسبيل نحو تمهيد الطريق إلى مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والمحتلين الصهاينة.
إن كيان الاحتلال الصهيوني لا يُقْدِم على خطوة استفزازية احتلالية إلا بضوء أخضر أميركي، ولذلك كل ما يُشاهَد من ممارسات صهيونية منافية لعملية السلام ولأسس التفاوض لا يمكن أن يكون خارج الإرادة الأميركية، ولا بد من اتفاق وتنسيق بين الحليفين الاستراتيجيين في الخفاء، وبالتالي ما يسوِّقه جون كيري من أفكار هو منتج صهيوني لكنه مُعلَّب ومُغلَّف أميركيًّا. فهما يتعاونان الآن لاستغلال الأوضاع الراهنة بوقوع الدول العربية المؤثرة والفاعلة ببراثن الفوضى والإرهاب من أجل تحقيق الرؤية المشتركة والهاجس المشترك وهو أمن كيان الاحتلال وتأمين حدوده وتحصينه من أي مخاطر آنية ومستقبلية، ومواصلة هضم ممتلكات ومقدسات العرب عبر حملات تشتيتية وتوهان في قضايا فرعية.
فلسطينيًّا .. ما السبيل لإيقاف مخاطر التنسيق الصهيوني ـ الأميركي الخفي حول القضية الفلسطينية؟ السبيل هو تحرير الأراضي الفلسطينية من دنس الاحتلال هو الكفيل بإعادة كل المقدسات الحالية إلى الحوزة العربية، وإعادة كل بيت تم انتزاعه بالقوة، وهدم كل جدار عنصري استهدف تمزيق الأرض الفلسطينية وتشويه معالم الدولة المستقبلية للشعب الفلسطيني، ولكن هذا يتطلب مصالحة وطنية حقيقية وإنهاء الانقسام، ومن ثم القيام بانتفاضة فلسطينية ثالثة إن أراد الفلسطينيين البقاء وقصم مؤامرة تصفية قضيتهم.