تقطف مبتهجة أوراق الليمون تُحدث نفسها بأن الكمية التي أخذتها ربما لن تكفي، تتنقل من شجرة إلى شجرة تحاكي الفراشات في تنقلها، تملأ سلتها السعفية بما تقطفه من أوراق لا تكف يديها عن كنز حصيلة ما جمعت من اوراق،لا زالت وساوس نفسها توحي بأن عليها جمع أكبر كم من الأوراق، وزن السلة يزيد هاجسها،تظل حائرة تمضي بعضا من الوقت حتى أيقنت أنها جمعت كمية كبيرة من الأوراق تنظر إلى ما جمعته بفرح .
وتقول:أكيد سوف تفرح( امي العودة) بهذه الحصيلة.
تصل إلى البيت ، الجدة أو كما يطلقون عليها في البيت أمي العودة تستقبلها بسؤال يرافق ولوج قدميها عتبة الباب.
: هل جمعت ما يكفي من أوراق الليمون؟ فالكثيرمن هذه الأوراق تكسب طقوس الاحتفال البهرجة والفخامة وتهب أهلها الوجاهة والثراء ، فيجب ان تغطي كثرتها شح الذرة البيضاء المنتفخة،نضوجها يجعلها تشبه أزهار الليمون البيضاء المنعشة.
تجلس الجدة القرفصاء كعادتها عند مدخل الباب ويدها مشغولة بفرك حبات المسبحه الخشبية ، تتناول الجدة السلة من يد الفتاة تقربها من شفتيها الأرجوانية الجافة، تشرع في تلاوة التمتمات في بطن السلة، تقضي في ترديدها بعضا من الوقت مع رشفات هوائية تساعدها على التلاوة بتسارع ، تبصق على الاوراق ثلاثا معلنة انتهاء مهمتها في طرد الارواح الشريرة ورجم العيون الحاسدة، ترفع ناظريها الى الفتاة.
:خذي هذه السلة إلى أمك لتجهيزها مع باقي الأشياء المطلوبة فساعة وصول وكيل العين تقترب، ولا تنسى أمك أن تغرق الأقراص بالمزيد من السمن والعسل ، يجب أن يكون الاكرام بأجود أنواع الطعام.
:إن المولود الذكر الأول بعد خمس بنات يستحق هذا الاحتفالواقامة نذر الحولحوول فيكهف العين.
(تعاود فرك حبات المسبحه) : كما أننا يجب أن نوفي باكرام أهل العين أن مباركتهم الكريمة لا يجب أن نجحدها.
طرقات غليظة غيرمتجانسة تفك أزرار الباب، العجوز فرج ومعاونوه يعلن وصوله بتلك الطرقات، فهو على موعد لأخذ الاشياء المطلوبة وقيادة أهل البيت الى العين، وكيل العين لازمه هذا الاسم طويلا حتى بات اولاده يعرفون (بأولاد وكيل العين) قد يستنكر البعض هذا الاسم ولكن العجوز فرج هو الرجل الوحيد المخول من أهل القرية بالتواصل مع أهل كهف العين . . يدخل صحن البيت،تتقدم منه الجدة (الام العودة ) فرج يقود بيده اليمنىجديٌ صغير لونهأحمر كثيف الشعر .
:(اه كيف تشوفي الذبيحه )، اخترتها بحرص وعناية وهي الأفضل حالا والأوفر لحما بين مثيلاتها.
تمسح الجدة على ظهر الجدي ثم تبارك وتثني على فرج اختياره للجدي،يموء فرج الى المعاونين بأخذ الجدي، ويردد: اسمعوا عليكم بالإسراع إلى العين قبل الجميع وذبح الجدي، وتسييل دمه في أرجاء الكهف قبل وصول الجميع.
المعاونان: (ان شاء الله العم فرج ما يهمك كل شيء بيكون في الترتيب!!)
تقدم الفتاة الصينية إلى وكيل العين صحنها الاكبر ممتلئ بالأقراص الساخنة المغموسة بالسمن والعسل وصحونها الأخرى تحوي السكاكر البيضاء والزبيب والعصيدة، جرت الطقوس أن يتأكد وكيل العين من التجهيزات بنفسه قبل الانطلاق الى العين بموكب أهل البيت، يمد يده ليتذوق الطعام وحال اهل البيت في ارتقاب ينتظرون الموافقة والمباركة على الطعام المقدم.
: أحسنتم صنعا فتقديم أجود أنواع الطعام يعتبر تكريما مناسبا لأهل العين، يُعجل في كسب رضاهم!! ( لا تزال يداه تقذفان بالأقراص في جوفه ، حتى تناصف صحن الأقراص)!! .
العجوز فرج: لنذهب فساعات الصباح الأولى هي أفضل الساعات لإقامة نذور الحولحوول.. وخروج ساكني الكهف لأخذ هديتهم منكم!!
ينطلق موكب أهل البيت بقيادة وكيل العين يتبعهم عددا من أهل القرية، يُحمل الطفل الصغير على الأكتاف فالطريق الى العين يمر بالوادي وتجاوز الصخور والقفز عليها هي الطريقة المثالية للوصول بسلامة الى كهف العين، النزول في بطن مستنقعات الوادي يوقظ الأفاعي ويكثر نشاط الضفادع.
يصل الجميع إلى موقع العين في جوف الكهف يقع مصدر الفلج، الأساطير والأعراف والسنن تحوم حول الكهف والعين والفلج ، فغضب أهل الكهف يقابله منع الفلج عن القرية ، وكيل العين صاحب السيادة والسلطة، له حق التصرف في توزيع المهام ومخاطبة أهل العين، الجميع تسطو عليهم الرهبة.
وكيل العين: السلام عليكم يا أهل العين خذوا كرامتكم.
تتناوب يداه في قذف الطعام في كافة أرجاء الكهف.. حتى انتهى من كافة الصحون.
: أحضروا الصبي لنغطس جسده في ماء العين سبع مرات وبعدها نحلق جزء من شعره ليذهب مع الفلج.
( المعاونان وحدهما المخولان من الاقتراب من العين بداخل الكهف، يحملان الصبي نحو العجوز فرج ،يمسك الصبي ويبدأ تنفيذ الطقوس.)
الجميع ينظرون إلى المشهد مباركين فعل العجوز فرج، بكاء وفزع الطفل لم يتوقف، الماء البارد ووجه فرج الغير مألوف سبب يكفي للبكاء.
يواصل فرج تغطيس جسد الطفل أكثر وأكثر ليجعل المباركة من ماء العين مرضية لأهل الطفل، يفتح فم الطفل ويملأه بماء العين، ينتهي العجوز من الطقوس المعهودة .. ويسلم الطفل لأهله.. تنتهي مراسيم النذر والحولحول ليبقى كهف العين بطقوسه مكانا مقدسا يبارك به أهل القرية مواليدهم الذكور.. يرجع موكب أهل بيت الطفل فرحين باتمامهم نذر الحولحول في كهف أهل العين ، ليبقى الطفل بحالة إسهال حاد.

انور الرزيقي
[email protected]