[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
جاءت دعوة رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي الأحد الماضي للتحول التدريجي إلى مجتمع بلا معاملات نقدية، لافتة لأنظار الكثير من الاقتصاديين، خصوصا وأن الهند تعتبر من الدول التي تمكنت في العقود الأخيرة من تحقيق طفرة اقتصادية جعلتها ضمن دول البريكس الخمسة الأسرع نمواً اقتصادياً في العالم، والتي تضم إلى جانب الهند كلا من الصين والبرازيل وروسيا وجنوب إفريقيا، وهي الدول التي تعشم المراقبون أن تسهم بقوة في تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية بعد انتهاء الحرب الباردة.
وكان ناريندرا مودي قد حث صغار التجار والعمال ببلاده لاستخدام ما يتلقونه من أجور نقدية يومية عبر اللجوء لاستخدام قنوات المدفوعات الرقمية، وذلك في وقت تعاني فيه الهند أزمة في السيولة النقدية بسبب حظر الحكومة لفئات الأوراق النقدية الكبيرة من فئة الخمسمائة وألف روبية، وذلك ضمن خطة حكومية هندية لمكافحة تزوير العملات ومحاربة الفساد.
إن الدعوة للتحول إلى مجتمع بلا معاملات نقدية رغم انها داخلية في اطار جغرافي هندي محدود، إلا ان صدورها من دولة يعتبر اقتصادها في المرتبة السابعة عالميا من حيث إجمالي الناتج المحلي، يؤكد على أنه ينبغي أن تؤخذ الدعوة في الاعتبار للنظر في مدى إمكانية تأثيرها على دواليب الحياة الاقتصادية والتجارية في المنطقة الآسيوية والعربية المحيطة ان لم يكن في العالم أجمع.
وبغض النظر عن التداعيات الاقتصادية السلبية التي تأثرت بها الحياة التجارية الداخلية في الهند ولربما امتدت آثارها على قطاع السياحة وخصوصا السياحة العلاجية بسبب حظر التعاملات النقدية في الفترة الأخيرة، إلا أن من أبرز تلك التداعيات والنتائج لذلك الحظر هو ما خرج به رئيس الوزراء الهندي من دعوة تعتبر بالمفاهيم الاقتصادية ثورة مفاهيمية اقتصادية جديدة إن نجحت قد تغير الكثير من أوجه المعاملات التجارية داخل الهند وماجاورها أيضاً.
إن صدور الدعوة في وقت اتسعت فيه شبكات الاتصالات الهاتفية والرسائل الالكترونية وسهل امتلاكها حتى بين أضعف شرائح المجتمع، وفي ظل تشجيع المصارف والبنوك على التوسع في استخدام بطاقات الائتمان وبطاقات السحب المصرفية الأخرى، وفي ظل حث الكثير من المؤسسات الحكومية المنظمة للأعمال التجارية للشركات على ضرورة صرف مرتبات العاملين فيها عبر القنوات المصرفية، وفي مناخات تتسع فيها دوائر التبادل التجاري عبر الاعتمادات المصرفية وعبر خطابات الاعتماد المستندية، وسيطرة التعاملات الالكترونية على قطاعات كبرى أهمها قطاع السفر والسياحة ... كل هذه عوامل قد تساعد على إنجاح دعوة مودي في التحول إلى مجتمع بدون نقود.
وفيما يعتبر الاقتصاديون بأن دعوة مودي قد تكون مغايرة لما ألفه العالم من اتباع لما رسخ في أذهان الاقتصاديين من استخدامات لما يعرف بنظرية " النقد والرصيد " ونظرية " المعاملات " والنظرية " النقدية الاقتصادية " وغيرها من النظريات التي تدرس استعمالات النقود ووظائفها وآثارها، إلا أن الدعوة نفسها يمكن أن تفتح آفاقاً للتنظير الاقتصادي الجديد قد يعزز من المواكبة الاقتصادية للتطور التكنولوجي وخصوصا تكنولوجيا الاتصالات الرقمية .
وعلى الجانب الآخر، وفي ظل القناعة بأن ليس هناك مستحيل تحت الشمس، فإن تحقيق دعوة مودي يحتاج إلى الكثير من الجهود لتهيئة البيئات الاقتصادية والاجتماعية والتجارية لتتواءم مع الآليات الجديدة التي يمكن أن يولدها تحقيق حلم مودي في التعاملات التجارية، وذلك حتى لا تجد اتفاقيات عالمية عديدة مثل بازل الثانية الخاصة بكفاية رأس المال والسيولة في البنوك التجارية نفسها أمام هزة اقتصادية جديدة مدوية قد تؤثر على مسارات تطبيقاتها العملية.

طارق أشقر
من أسرة تحرير الوطن
[email protected]