بينما تحث مدينة حلب الشهباء الصامدة خطاها نحو تنفس هواء الحرية، وتستعد لتتطهر من رجس الإرهاب من اتجاهاتها الأربعة، لم ينفك لصوص السياسة والدبلوماسية عن امتشاق سيوف الفبركة والدجل الإعلامي والنفاق والكذب لمنع المدينة الاقتصادية والعاصمة السورية الثانية من عودتها إلى حضن وطنها الدافئ الذي اشتاقت إليه، ومنعها من أن تطفئ جذوة هذا الاشتياق، وهي محاولة تبدو ـ كما في كل مرة ـ يائسة أمام قوة الإرادة والصمود للجيش العربي السوري الذي استطاع وحلفاؤه أن يحتجزهم في خانة العجز الميداني.
الاتهامات الباطلة والمشاهد والصور التي تكفلت بها الماكينات الإعلامية أو بالأحرى التي أوكلت إليها مهمة الإخراج عبر "الفوتو شوب" و"المكياج"، والخدع السينمائية على طريقة هوليوود في الأزمة السورية، والموجهة ضد الجيش العربي السوري، هي اتهامات ومشاهد مفبركة لم تكن سوى تعبير لحظي غاضب عن مدى ما يعتصر معشر المتآمرين من حقد وكراهية وقهر تجاه حالة العجز والانكسار وانهيار مشروع تدمير الدولة السورية، لتبدو في منظور العقل والمنطق والواقع أنها سيوف من ورق وخشب. كما أن تلك الاتهامات؛ أي اتهامات القتل والتدمير وغيرها أخذت طوال الأزمة منذ تفجرها وإلى اليوم تتحطم على صخرة الواقع الذي كل يوم يسلط ضوء حقائقه الساطع على بقعة مظلمة سوداء صنعتها يد التآمر والإرهاب، بل ثبت أنها مجرد مصطلحات يحفظونها عن ظهر قلب ليرددها بين الحين والآخر ثلة من المراهقين السياسيين الذين يتخبطون في تصريحاتهم وأحاديثهم ولا يدركون أي خطيئة يرتكبون. فحسب المركز الروسي لمصالحة أطراف النزاع في سوريا أمس غادر خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية 3200 مواطن مدني الأحياء الشرقية لحلب، وأن بينهم 1500 طفل، في حين نجح الجيش العربي السوري وحلفاؤه في تحرير 3 آلاف مبنى و10 أحياء في شرق حلب من قبضة ما يسمى تنظيم "جبهة النصرة" والتنظيمات الإرهابية المتعاونة معه، حيث كانت وجهة هؤلاء المدنيين الهاربين من جحيم إرهاب "النصرة" ومن معها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش العربي السوري، وهو ما يلجم حناجر الدعاية والكذب والتدليس والاتهامات والمغالطات حجرًا يمنعها من أن تعوي، وإن عاودت العواء فما أكثر الحجارة التي لم يتوقف الجيش العربي السوري والحكومة السورية عن إلجامها حناجر الحاقدين.
إن الصور فضَّاحة ـ كما يقال ـ ومشاهد نزوح الأسر السورية باتجاه مناطق سيطرة الجيش العربي السوري، جاءت لتضع النقاط على حروف الحقيقة، وترد على دجَّالي السياسة لدرجة الإفحام، الذين في معرض تشنيعهم وتحريضهم وتهويلهم، وقراءتهم لفناجينهم وأكفهم السياسية زعموا أن موجات النزوح من الأحياء الشرقية من مدينة حلب ستكون باتجاه تركيا، وأن مصيرهم سيكون كارثيًّا، في حين أنهم بمجرد وصولهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش العربي السوري كانت يد الجيش الحانية تستقبلهم ويده الأخرى على الزناد ضد تلك المسماة "جبهة النصرة" ومن معها من التنظيمات الإرهابية التي اتخذتهم دروعًا بشرية وتستهدف من يحاول النجاة من جحيم إرهابها. فقد أعدت سوريا وحلفاؤها خطة إنسانية لاستقبال الهاربين من جحيم الإرهاب واحتضانهم وإيوائهم، ولو كان الجيش العربي السوري عاشقًا للدم، ويقتل شعبه ـ كما تحاول أن تصوره أبواق التآمر والإرهاب وتشوه عقيدته العسكرية ـ لكان مصير أولئك النازحين الهاربين البالغ عددهم 3200 مدني سوري الإبادة، ولكان مصير أهالي المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش العربي السوري القتل والإبادة، لكن هذا ما لم يحصل، بل إن كل سوري قابع في مستنقع إرهاب التنظيمات المسلحة يتمنى وصول الجيش العربي السوري لينقذه من الغرق. لقد كان الجيش العربي السوري وحلفاؤه هم الخائفين على مستقبل المدنيين المحاصرين من قبل التنظيمات الإرهابية، ومثلما كانوا كذلك، كانوا هم وحدهم المستقبلين للفارين من تلك التنظيمات، وهم وحدهم من استقبلهم بالمعونات والمساعدات الإنسانية والإيوائية، وليس تجار الحروب وحقوق الإنسان الذين ادعوا وزعموا خشيتهم على مصير هؤلاء الفارين. وفي السياق ذاته يواصل الجيش العربي السوري مسار المصالحات والتسويات ليلجم أفواه الكذب والتدليس والدجل حجرًا إضافيًّا بأنه جيش من أجل سوريا المستقلة، ومن أجل وحدة ترابها، ومن أجل أمن وأمان شعبها؛ فها هي مدينة خان الشيح بريف دمشق الجنوبي الغربي على خطى التطهر من دنس الإرهاب والتنعم بأنفاس الحرية، حيث قضت المصالحة بترحيل المسلحين إلى إدلب شريطة تسليمهم كامل العتاد والسلاح والذخائر إلى الجيش السوري، إلى جانب تسليم المصانع العسكرية وخرائط الألغام والأنفاق، وتسوية أوضاع من يرغب في ذلك.