قراءة في عروض مهرجان جامعة صحار المسرحي الثاني ( 1 - 2 )
تألقت في مهرجان صحار المسرحي خمسة عروض لجماعة المسرح ، والتي تنافست للحصول على المراكز المتقدمة ، وسوف نبدأ من هذا العدد في استعراض للعروض الخمسة المشاركة، والتي تفاوتت في رصد رؤيتها الإخراجية وتوجهاتها الفكرية والاجتماعية ...دون التطرق لنتائج المسابقة، كون هذه التجارب المسرحية المقدمة، ما هي إلا خلاصة جهود متواصلة لفريق العمل الفني يستحق المتابعة ، وفي هذا الجزء نتطرق إلى مسرحيتي "نهاية الصعود" ، و"قناع واحد لا يكفي" ..

نهاية الصعود

أولا: عرض مسرحية "نهاية الصعود" للكاتب محمد المعمري وإخراج الطالب أحمد البلوشي. وفي البداية قد يتساءل المشاهد " ما نهاية الصعود"؟ وهل هناك نهاية للصعود فعلا ؟. ..ورغم واقعية الأحداث المقدمة ، إلا أن الكاتب حاول التعرض لموضوع "الخرافة والأسطورة" كموضوع أساسي لعرضه، مضافا إليه الصراع حول السلُطة بشكل خاطف وسريع . وتتحدث المسرحية عن لقاء الرجل "العجوز" بأحد حراس الملكة، والذي أخبره بقدرته على حل لغز "الرموز الغامضة" التي كانت تظهر على جدران القلعة بصورة خاطفة . ثم أخبر هذا الرجل "القائد" أو الجنرال ...بأن زوجته تستطيع فك أحجية الرموز...حتى ينتهي بهم المطاف إلى أعلى هرم السلُطة في القلعة، في محاولة للسيطرة على المملكة والمطالبة بالتغيير من أجل تحقيق أهداف معينة . ولقد لعبت "الصدفة" دورا أساسيا منذ البداية في سرد الاحداث والشخصيات والتحولات التي تمر بها، حيث التقى الرجل ب"بائع الفجل" حارس الملكة عند أسوار القلعة، و صادف ذلك ظهور الرموز السحرية. كما يتضح من خلال العرض الصراع الظاهر، الذي بدأ أولا بين الرجل العجوز والحارس ، ثم انتقل إلى الساحر والملكة ... هكذا ظل الصراع في حركة دائرية تتناسب مع طبيعة الأحداث التي تناغمت معه تارة وتنافرت معه تارة أخرى!. وهنا لابد من الإشارة إلى أن "الرجل العجوز" يتمتع بقدرات هائلة مكنته من التحكم بمصير بقية الشخصيات، وفي البداية نجد أنه بذل جهدا كبيرا للتعريف بزوجته: " زوجتي مريضة وهي لا تستطيع المشي، وتمتلك من الأساطير ما يجعلها تقوم بتفسير ..." في حين، نجده في موقف آخر نجه يلتف حول ذاته الطامعة والنرجسية في الاستئثار بكل شيء، حين ينقلب على زوجته ويتحدث عنها بما يشين : "الرجل: أيتها الملكة ....أنا زوج تلك المرأة المزعومة وأعلم بأطماعها جيدا ...فهي سليطة يا مولاتي ..وإذا اتيحت لها الفرصة فأنها سوف تطمع في الملك "..كما يكمل الرجل: " فهي تملك روح التسلط والسيادة والخبث وسحر العقول ...وهي تطمع في السيطرة على عقولكم " .ولقد التزمت الرؤية البصرية في هذا العرض بحرفية النص، مبحرة في عالم الخرافة والأسطورة ، حيث ظهرت "الحبال" المتدلية من أعلى خشبة المسرح للتأكيد على ضبابية الحياة وسوداويتها المفرطة...كما قامت الإنارة الحمراء والمؤثرات الصوتية والموسيقية بدور مهم في تأكيد الأحداث والمواقف المؤثرة على حياة الشخصيات والأحداث الواردة في العرض . ورغم غرائبية العرض بتفاصيله الأسطورية الخرافية، إلا المخرج استطاع أن يرسم رؤية بصرية، حيث ظهرت "الحبال" المعلقة بشكل أفقي، والتي استخدمت كقيود، وساهمت في أحداث عدد من التحولات على مستوى الشخصيات والاحداث المقدمة . ويمكن اعتبار "الفريق التمثيلي" صناع العرض بدءا من الخطوط العامة له وانتهاء بتفاصيله الدقيقة، وخاصة أولئك الذين قاموا بالأدوار الأساسية مثل الحارس والجنرال، إضافة إلى ظهور الشخص "المصلوب" في عمق المسرح، والذي لازم المنصة طيلة العرض....وبالنسبة للأدوار النسائية فقد كان هناك أكثر من دور في هذا العمل؛ مثل دور الملكة والساحرة والعجوز....فيما قامت "الأزياء" بدور كبير ومهم في رسم أبعاد الشخصيات، مع محاولة تعريف المشاهد بالدور الذي تقوم به.
ورغم اعتماد العرض على جهود الهواة من الطلبة المشاركين، إلا أنهم تميزوا جميعا باجتهادهم في الاداء والحركة، وهذا بدوره ساعد على الارتقاء بالعرض شكلا ومضمونا .. ولقد اتسمت المسرحية بقدرتها على الحفاظ على إيقاع هذا العمل ، والعزف على منوال الأسطورة ، وسحر الجمهور بأحداثه الغامضة، وجعلهم يتفاعلون معه بعد فك رموزه وشفراته الغريبة التي حلقت في عالم الخيال والإبداع .

قناع واحد لا يكفي

مسرحية (قناع واحد لا يكفي ) للكاتب الدكتور صالح الفهدي والمخرج الطالب عبدالله الفارسي، وهي مسرحية تبحث عن ذاتها في "كومة ملابس" لشخصيات تفاوتت في طباعها وسلوكياتها واهتماماتها ورغباتها الشخصية كما هو الحال في واقع الحياة . وهذه المسرحية عبارة عن مينودراما؛ أو ما يسمى "دراما الممثل الواحد" ، وهي دراما احترافية تحتاج إلى ممثل متمكن من أدواته، كونها تشكل عبئا كبيرا يثقل كاهله ، خاصة في ظل الحفاظ على إيقاعه واستمراريته، رغم متاهات الأحداث التي بدت تنفتح على موضوعات شتى .
ولذلك فإن قضية تدريبات "الاداء التمثيلي" من الموضوعات المهمة في هذا العرض، وقد قام الفنان "جيفر محمد" بأداء الشخصية في هذا العمل، والذي كان يتمسرح ويتقمص الأدوار الواحد تلو الآخر. ويمكن مشاهدته وهو يرتدي قطعة من كومة الملابس المبعثرة حوله، و يؤدي دوره ثم لا يلبث أن ينسلخ منها، وهكذا شاهدنا الممثل "المينودرامي" وهو يتمسرح ، مقلدا دور الأب والرجل الغريب. وفي نفس الوقت، لا ضير أن يتفاعل مع صوت الآخر "المرأة" : " ما زالت انتظرك في ذات البقعة التي وجدتني فيها...ألا تفكر في زوجة " ...ويظل صوت الآخر يهمس للممثل ويذكره بإنسانيته التي يفترض أن تعيده إلى واقعه ولكن بدون جدوى.
وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية أدخال المؤثرات الصوتية "صفير الرياح، هدير البحر وصرير الباب " ...وهي جميعا مؤثرات مهمة دخلت في صلب العمل المينو-درامي ، وهي شريكة الممثل على الخشبة، ساهمت جميعها في كسر حدة تواجده على المنصة ، وخففت من العبء الواقع عليه . ناهيك عن استخدام "المرايا" أيضا في مثل هذه الأعمالفقد ساهم في صياغة منولوج المناجاة مع ذات الممثل . وفي هذا العرض كانت هناك مرآتين وضعتا بطريقة منزوية، ولكنهما لم تستغلا بالشكل الصحيح . ولو وظفت لكانت الملاذ الأمثل للممثل للهروب من ذاته المرهقة حزنا وكمدا ، حيث يمكن مشاهدته وهو يناضل من أجل تقديم الأدوار تلو الآخر في تتابع مستمر . ومن جانب آخر، برز أصرار المخرج في التزامه بواقعية الديكور، مما جعل العرض ملزما بالتفاعل مع كل قطعة، وبالتالي كانت هناك مساحة لحركته المحدودة في منطقة معينة، يمكن مشاهدته وهو يتمسرح بمصاحبة قطع بسيط من القماش المتناثرة حوله بشكل عشوائي . . ولقد بذل الممثل في جهودا استثنائية في تدريب الممثلين على تقمص الادوار، ولعل أهم الادوار "دور المهرج"، عندما كان يرتدى زي المهرج وبدأ يتحدث مع نفسه والآخرين ويتمسرح ...فيما كان هناك دخان عميق ينبعث من عمق المسرح، كما ظهرت الإنارة بشكل بارز فيما غابت الإضاءة عن العرض منذ البداية ...
ولعل غياب "البقعة الضوئية" في العرض جعل هناك خللا في الإنارة البصرية للعرض ، وكان من الممكن صياغة مفردات بقية عناصر الخشبة، وخاصة المؤثرات الضوئية والبصرية التي رسمت حركة الممثل وجعلته يتمسرح ويغني ويمثل ...وهو في كامل عنفوانه .
وأخيرا، يظل العرض "المينو-درامي" من أصعب أنواع الدراما تمثيلا وإخراجا، لذا وصفه البعض بأنه "فن النخبة" ، وهو فن جمالي يعتمد على بطولة الممثل الواحد الذي يتحدى ذاته، ويستهلك من طاقته الكثير لكي يستطيع إيصال رسالته للجمهور.

عزة القصابية