” .. في الوقت الذي نضبت فيه موارد المعارضة، وأغلب داعميها في وضع اقتصادي غير جيد، تدفع تركيا جيدا لمن يغطون تدخلها العسكري. وهكذا ذهب مقاتلو المعارضة من حلب إلى شمالها للتغطية على الأتراك. ليس فقط بسبب أن الترك "يدفعون" جيدا بينما لا ترد مخصصات لهم من مصادر أخرى تبقيهم في حلب، ولكن لأن دور ما تقول تركيا إنه "الجيش السوري الحر" لا يتجاوز التغطي”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/amostafa.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.احمد مصطفى [/author]

من أهم عوامل الطمع التركي في سوريا تحجيم الأكراد في ذلك البلد حتى لا يتشجع أكراد تركيا على المطالبة بحقوقهم التي نكصت القيادة التركية عن منحها لهم في إطار اتفاق سياسي جمد ثم انهار في الفترة الأخيرة. ومع التحولات والتقلبات التي تشهدها السياسة التركية، بدأت انقرة حملة على شمال سوريا ظاهرها "محاربة داعش" كما يفعل كثيرون لأغراض مختلفة وحقيقتها احتلال جزء من شمال سوريا يجعلها حاضرة في أي تسوية للأزمة في هذا البلد العربي والقضاء على أي قوة كردية بازغة في الشمال السوري. فلم تفلح تركيا على مدى أعوام الحرب في سوريا في أن تفرض ما سمته "منطقة عازلة" أو محظورة الطيران داخل سوريا مقابل حدودها معها. وفي ظل انصراف أغلبية الأطراف عن سوريا، وترك الأمر فيها للروس بشكل رئيسي، سعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحسين علاقته بروسيا وإسرائيل تمهيدا لتدخل عسكري مباشر في سوريا.
لم يقنع شعار محاربة داعش كمبرر للغزو التركي لشمال سوريا أحدا، فأغلب من يدعون محاربة الإرهاب كذريعة للحرب في سوريا أو العراق لهم أهدافهم الأخرى الواضحة تماما والتي يساعد على تحقيقها احيانا وجود داعش. وكان واضحا بجلاء أن التدخل العسكري التركي بالدبابات والمدفعية الثقيلة وقوات من العمليات الخاصة (وبالطبع قوات برية تشغل كل هذا وتدعمه) استهدف وقف تقدم القوات الكردية ـ المدعومة أميركيا ـ التي تمكنت من طرد داعش من منبج واتجهت الى كلس قرب حدود تركيا. وتواصل القوات التركية توسيع رقعة احتلالها في سوريا شمال حلب لتزيد عن 400 كيلومتر مربع الآن. لكن، من البداية ولتغطية الهدف الأساسي للاحتلال التركي لأجزاء من سوريا و"ضبط" واجهة محاربة الإرهاب أعلنت أنقرة رسميا ان قواتها "تدعم" مقاتلي المعارضة السوريين الذين يحاربون داعش.
وهذا ما جعل المعارضة السورية المسلحة، في إطار تبرير هزائمها في حلب، تقول إن الحملة التركية في سوريا أضرت بقدرة المعارضة في الحفاظ على معقلها الرئيسي في سوريا: حلب. ففي الوقت الذي نضبت فيه موارد المعارضة، وأغلب داعميها في وضع اقتصادي غير جيد، تدفع تركيا جيدا لمن يغطون تدخلها العسكري. وهكذا ذهب مقاتلو المعارضة من حلب إلى شمالها للتغطية على الأتراك. ليس فقط بسبب أن الترك "يدفعون" جيدا بينما لا ترد مخصصات لهم من مصادر أخرى تبقيهم في حلب، ولكن لأن دور ما تقول تركيا إنه "الجيش السوري الحر" لا يتجاوز التغطية بينما القتال هو بقصف الطائرات التركية والمدفعية التركية والتوغل يتم بالدبابات التركية. أي أن الجيش التركي هو من يحارب ويتلقى "المقاتلون" أجرة جيدة على مجرد التغطية. ثم إن أغلب المناطق التي انتشر فيها الجيش التركي لم يدر فيها قتال أصلا مع داعش، بل أبلغت داعش وغيرها من الفصائل الإرهابية بمواعيد الدخول التركي مسبقا لتنسحب آمنة بعديدها وعتادها. إنما يجري القتال فقط إذا كان هناك مقاتلون أكراد، وهؤلاء يتكفل بهم الجيش التركي.
ما يجري بين الترك والأكراد قديم، لكن ما يجري الآن هو استغلال تركيا ذلك لاقتطاع جزء آخر من سوريا مثلما فعلت قديما بلواء الاسكندرونا. ولا يمكن أن نكون نسينا أنه منذ تحول الصراع في سوريا إلى حاضنة للارهاب الدولي كانت تركيا راعيا رئيسيا للجماعات الإرهابية، من تنظيمات تتبع القاعدة إلى داعش، ليس بسبب شعاراتها الإسلامية وإنما لهدف استراتيجي هو ما يمكن أن تحققه تلك الجماعات والميليشيات من تسهيل استيلاء تركيا على جزء جديد من سوريا. ثم أن حلب بشكل خاص تمثل هدفا تركيا لا يخفى على كثيرين. وحتى لو لم تتمكن تركيا من "ضم" حلب فإنها تريدها في "أيد أمينة" ـ وبالنسبة لها ظنت أن تلك الجماعات الإرهابية التي ساهمت في دعمها ستكون تلك الأيدي. ولسنا هنا بصدد تقييم الأهداف الاستراتيجية التركية وسبل تحقيقها، ولا بالتأكيد "الصراخ" بأن ما تفعله يعد "دعما للإرهاب وتدخلا سافرا في شؤون دولة جارة وان احتلالها العسكري لأجزاء من سوريا يتعارض وكل الأعراف والمواثيق الدولية". فكل ذلك لا يعني شيئا في ظل وضع كوضع سوريا. إنما ما يهم المرء هنا هو موقف بعض دول المنطقة التي تصطف إلى جانب تركيا ضد الأكراد متصورة ان الترك إنما يعملون على تحقيق اهداف تلك الدول في سوريا!! وللأسف تضع تلك الدول نفسها في موقف المدافع ـ بالتفريغ السلبي ـ عن الجماعات الإرهابية التي يحاربها الأكراد (البشمرجة في العراق وقوات سوريا الديمقراطية في سوريا) في الوقت الذي لا يمكنها ضمان استمرار تقاطع اهدافها مع أهداف الترك. والنتيجة المتوقعة لتلك السياسة من دعم جانب مقابل الآخر في الصراع التركي الكردي أن يستمر الإرهاب ويستفحل، وربما "ينسكب" خارج العراق وسوريا، وأن "تقتطع" تركيا جزءا من سوريا وأن يزيد تمزق العراق ويقسم المقسم فيه على اسس عرقي/طائفية جديدة. ولا يمكن تصور أن ذلك في مصلحة اي من العرب والمسلمين، اللهم إلا اذا كان هؤلاء متخذي تلك المواقف يرتاحون لكون بلاد العرب ما زالت "جزءا من الامبراطورية العثمانية" وأن أردوغان هو "خليفة" المسلمين!!