[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

لم تغب لحظةً الأصابع الإسرائيلية عن ما تشهده المنطقة من حروب وفتن طائفية ومذهبية واتساع لرقعة الإرهاب، بل إنها هي المحرك الأول لكل ما يجري، ذلك أن المشروع الذي تواصل سكينه تقطيع جسد الوطن العربي هو من أجل تأمين بقاء الاحتلال الإسرائيلي ومد أذرعه في المنطقة للهيمنة عليها، وما عدا الأصابع الإسرائيلية هو مجرد أدوات لخدمة هذا المشروع وإنجازه.
فما يسمى "الربيع العربي" جاء ليقضي على آخر ما تبقى من النَّفَس القومي ويفكك حروف الوحدة العربية ويفرغها من مضمونها وإن كانت على الورق، حيث عمل مراهقو السياسة وصبيانها والرجعيون والأعراب على تحويلهما بالتدريج عنوانًا للشتيمة على مدى عقود خلت، ولتجرف موجات الإرهاب السياسي والفكري لهذا "الربيع" كل ما راكمته الأمة تحت عناوين الكفاح القومي والنضال الوحدوي، وترخي ظلال الشك والنكران على مفاهيم المصير العربي المشترك والوجود والهوية العربية الجامعة لتبقى مجردة من ذاتها ومن أي دلالة أو معنى، وتتبخر بقوة نار الإرهاب بمختلف أشكاله، مُخلِّفةً وراءها عاصفة من التلوث الفكري والسياسي الممزوج بكثير من التطاول والتمرد والانحطاط الأخلاقي.
هذه الحقيقة تتكشف فصولها اليوم‏ على لسان مريديها وصانعيها، وأعني بهم الإسرائيليين تحديدًا، الذين ارتدوا لباس الوطنية والانتماء لـ"إسرائيلهم" وألقوا رداء الخيانة والعمالة والتآمر على أدوات مشروعهم التآمري في المنطقة، لتكون أولى ضحايا المشروع، بل المقصودة بداية بالمشروع، القضية الفلسطينية لتضحى تصفية هذه القضية المنطلق الحقيقي نحو تحقق الأحلام التلمودية المتمثلة في قيام المستعمرة الكبرى "إسرائيل" اليهودية الخاصة بالشعب اليهودي، وعاصمتها الأبدية القدس.
معروف عن الإسرائيليين أنهم في مواقف يكشفون عن نياتهم الخبيثة بصيغة التحذير والقلق، أو تقارير تحمل لغة التحذير والإعراب عن القلق، لحشد التأييد لهم في الداخل والخارج، فحين يأتي التحذير على لسان رئيس قسم الاستخبارات في جيش الاحتلال الإسرائيلي اللواء هرتسي هليفي، من التصعيد وعدم الاستقرار في الضفة الغربية خلال العام المقبل، على خلفية ما وصفه بـ"تقوُّض مكانة" الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والصراعات السياسية الداخلية في السلطة في مسألة مرحلة ما بعد عباس، فإن هذا التحذير لا يأتي في إطار قراءة الواقع أو قراءة الطالع، وإنما يكشف عن توجهات وخطط إسرائيلية تتعلق بالقضية الفلسطينية تتناسب والوضع العربي الكارثي، والوضع الدولي المتواطئ الذي يتجه اليوم أغلب قواه نحو اليمينية المتطرفة.
فقد كشف هليفي عن جملة من الحقائق، وإن ألبسها لبوس المخاوف، حيث قال في اجتماع مغلق ـ وفق ما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" ـ إن سنة 2017 ستكون غير مستقرة في السلطة. وستكون هناك الكثير من الجهات التي ستعترض على قيادة أبو مازن، وسترغب حماس"بتحقيق إنجازات أمامه، ما سيؤدي إلى واقع شديد التحدي في الضفة الغربية".
ومثل هذا الكلام يتجاوز حدود الاستنتاج إلى أحد أمرين: إما لبعث رسالة إلى السلطة الفلسطينية ورئيسها وترويضهما بأهمية البقاء في دائرة الرضا الإسرائيلي، وإما التحرك الإسرائيلي نحو إقصاء شخص الرئيس محمود عباس من على هرم السلطة الذي لطالما دعا الإسرائيليون إلى التخلص منه، أو إعادة إنتاج الاقتتال الفلسطيني الذي وقع بين حركتي فتح وحماس على خلفية انقلاب الأخيرة في قطاع غزة وسيطرتها عليه.
أما على صعيد الأزمة السورية فقال هليفي إنها لن تنتهي قريبًا، إلا أن الأهم في هذا السياق هو تأكيده أن ضعف تنظيم "داعش" سيؤدي إلى " تفوق إيران وحزب الله في سوريا، وهو ما لن يكون جيدًا لإسرائيل"، مُبْدِيًا تفاؤله من نتائج المد المذهبي الذي تشهده المنطقة قائلا أن: "لدى "إسرائيل" والدول "السنية" مصالح مشتركة، وهو ما يشكل فرصة كبيرة" حيال ذلك.
فالتحذير الإسرائيلي من ضعف تنظيم "داعش" الإرهابي يؤكد الثابت بأن ظهور هذا التنظيم ومده بالعتاد العسكري وبالعناصر الإرهابية والتكفيرية والظلامية والمرتزقة، وتوفير أسباب توحشه وتوسعه لم يكن بمحض المصادفة، وإنما أُنتج هذا التنظيم الإرهابي لأهداف وهي ضرب محور المقاومة وتقطيعه، وليكون رمحًا موجَّهًا ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، وضد كل من يدعم هذه المقاومة، وهو ما يعيدنا إلى الحقيقة الأولى التي عرجنا عليها آنفًا وهي تصفية القضية الفلسطينية؛ لكونها تتصدر قائمة ضحايا مشروع مد أذرع الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة وتأمين توحشه وبقائه وهيمنته، والمغلف باسم مشروع "الشرق الأوسط الكبير".