[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/suodalharthy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]سعود بن علي الحارثي[/author]
” لقد زرت ولايات نزوى وصحار وبهلاء وعبري والبريمي والحمراء ومحضة وصحم ووادي بني خالد ومنح وازكي والمضيبي وأدم وجعلان والكامل والوافي وبدية ووادي المعاول والسويق والمصنعة وبركاء ونخل والدقم وهيما ... لقد أسرتني الحارات والمساجد القديمة في كل من نزوى ومنح وأدم وازكي والحمراء ... والقلاع والحصون والأسوار والبوابات الخشبية المهيبة والنقوش والزخارف والكتابات الأنيقة في الرستاق ونخل وصحار والحزم وبهلاء وجبرين ... ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السادس عشر: عمان .. الإرث الحضاري والجمال والطبيعة البكر
لم تكن تلك النماذج لرحلاتي وزياراتي ومشاهداتي واطلاعي على عدد من المحافظات والمواقع والولايات والواحات والأودية العمانية التي استعرضتها تباعا في سلسلة المقالات التي نشرت هنا في هذه الصفحة الغراء هي محصلة النتاج الوحيد، فقد سبقتها ولحقتها زيارات عديدة ومتتالية ومتكررة وذلك في إطار زياراتنا الميدانية الرسمية ضمن لجان وفرق المجلس الاستشاري للدولة والشورى بعد ذلك، على ضوء صلاحياتها في استطلاع آراء المواطنين واطلاعها الميداني المباشر واطمئنانها على سير العمل في عدد من المشاريع الحكومية لاستخلاص الآثار والنتائج ذات العلاقة بدراسة وبحث عدد من الموضوعات والقضايا الوطنية. وعندما كنت اصحب الآباء في زياراتهم وتلبيتهم لدعوات الأصدقاء المنتشرين في أرجاء مناطق عمان، هذا فضلا عن رحلاتي الأسرية ومع الأصدقاء والتي تطرقت إلى بعضها ... لقد زرت ولايات نزوى وصحار وبهلاء وعبري والبريمي والحمراء ومحضة وصحم ووادي بني خالد ومنح وازكي والمضيبي وأدم وجعلان والكامل والوافي وبدية ووادي المعاول والسويق والمصنعة وبركاء ونخل والدقم وهيما ... لقد أسرتني الحارات والمساجد القديمة في كل من نزوى ومنح وأدم وازكي والحمراء ... والقلاع والحصون والأسوار والبوابات الخشبية المهيبة والنقوش والزخارف والكتابات الأنيقة في الرستاق ونخل وصحار والحزم وبهلاء وجبرين ... بهندستها المعمارية التي تثير الاعجاب وترفع من شأن وقيمة المؤسسين الأوائل مقرونة بمعاني وقيم الاحترام والتقدير لجهودهم وانجازاتهم الفريدة، وتعمق فينا الشعور بالاعتزاز والفخر بهذا الارث الحضاري الكبير، وحفزتنا على طرح عشرات الأسئلة عن هؤلاء الكبار من المهندسين والصناع والبناة والمشرفين والممولين وعن الأدوات والوسائل التي استخدموها حتى تم لهم ما أرادوا وحققوا الكثير من الطموحات والتطلعات في أرض وعرة قاحلة خطرة يصعب ترويض تضاريسها الشرسة ... مع تواضع الامكانات وتخلف الوسائل والأدوات؟ . وتعبيرا عن هذا الارث الحضاري يقول الكاتب (أندريه ستيفن) في كتابه (عمان برها وبحرها تراث وتاريخ) يصف العمارة العمانية وهندسة بنائها وفقا لطبيعة المنطقة التي تضمها وأينما كانت هذه الآثار قائمة فوق أرض مسطحة أو فوق أرض جبلية أو في احدى الواحات أو على طول الساحل فإن لها قيمتها ليس فقط من حيث شكلها المعماري بل أيضا من حيث مغزاها بالنسبة لتاريخ البشرية، فهنا أبراج دائرية تعلو قمم التلال لتشرف على وادي سمائل وهناك مبان رباعية الشكل من حصون وقصور راسخة على الأرض مثل الحزم وجبرين وهما الأكثر شهرة، ومثل عبري - عينين والفليج والمصنعة وبركة الموز، وهنا تتواءم المباني مع طبيعة الأرض مستفيدة بدرجة كبيرة من طبغرافيتها كما هو الحال في القلعة العالية بنخل أو القلعة ذات الشكل المضلع ببهلا، وتوجد بعض القلاع متوارية بين النخيل والمساكن المتناثرة داخل واحة من الواحات المحصنة كما هو الحال في وادي عندام وعبري.(.. وتحمل كل من ابراء والمضيرب ذات السبعة أبراج وهما المركزان الرئيسيان بالشرقية دلائل ثراء معماري) وتضمان (مساكن فاخرة ومهيبة ومحصنة...) وفي موقع آخر يؤكد الكاتب على أن (عمان هو بلد الألف حصن، فعلى طول خليج عمان الذي يبلغ 300 كم وحتى مضيق هرمز في الواحات الداخلية تظهر هذه الحصون في جميع الأماكن التي تصلح للدفاع عن القرية أو المدينة أو الميناء . وسواء كانت هذه الحصون رمزا لمجتمع قديم أو لمجتمع متطور فيظل كل حصن منها تراثا منحدرا من أجيال سابقة وفخرا للأجيال الحاضرة والمقبلة وهي جديرة بأن تحظى باهتمام الشعب العماني وباهتمام السياح الأجانب فتلك الحصون تبقـى شاهـدا حيا علـى 5000 سنة من تاريخ شبه الجزيرة العربية) . وقد تأسفت كثيرا على تراثنا النادر بما يحتويه من حارات وأسواق موغلة في القدم وأنا أراها تتهدم شيئا فشيئا وتتساقط جدرها وأسقفها وتتآكل أخشاب أبوابها وشرفاتها ونوافذها العريقة وتتلاشى وتختفي نقوشها وزخارفها وكتاباتها الأنيقة مع ما تمثله من قيمة تاريخية وعلمية وثروة سياحية لا تقدر بالأثمان. وتطالعنا أخبار الحفريات والاكتشافات التي يظهر بعضها بمحض الصدفة عن وجود حضارات وإنجازات إنسانية وحياة توالت منذ العصور القديمة، حيث يشير العديد منها على أن الإنسان قد عاش في هذه الأرض منذ العصر الحجري الأول . فقد (عثر علماء الجيولوجيا على أكثر من 100000 مقبرة تعود إلى الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد في سواحل عمان وعلى قمم الجبال، مخبأة بشكل يصعب الوصول إليها كما في الوديان أو في المرتفعات التي تعلو الواحات ...)، ومما أورده موقع وزارة التراث والثقافة في هذا الجانب ما يلي : (وتعود المواقع الأثرية المكتشفة، إلى عصور وحقب زمنية مرت بها عُمان على مدى تاريخ طويل، بعضها يمتد إلى سبعة آلاف سنة ما قبل الميلاد، وتنتشر في مواقع كثيرة من محافظات السلطنة، مؤكدة على إسهام الإنسان العُماني في ركب الحضارة البشرية، وتواصله مع الحضارات الإنسانية . وبلغ عدد المواقع الأثرية المكتشفة 3500 موقع، تم حصرها ضمن قاعدة البيانات الشاملة، وتوثيقها بالصور والخرائط، كما بلغ عدد المكتشفات الأثرية المحصورة في السجل الآثاري (28177) قطعة أثرية،) . ومن بين أهم الاكتشافات مدافن بات والعين والتي يعود تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، والتي تحتوي على أكثر من ثلاثمائة مقبرة (ظل بعضها على حالته الأصلية)، وأطلال سمهرم التي يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد - وموقع شنة الأثري الذي يعود للألف الثالث قبل الميلاد - مدافن رأس الحمراء لمنتصف الألف الرابع قبل الميلاد ورأس الخبة في ولاية جعلان بني بوعلي والذي يعود لنهاية الألف الخامس قبل الميلاد - وفي موقع وادي شاب منجزات حضارية تعزز وتضيف الكثير إلى انجازات الماضي) ... تحمل عمان بين أراضيها المتنوعة ثروة ضخمة من التراث المعماري والآثار الهائلة التي لم يكتشف الكثير منها بعد، وهي بهذا الإرث الحضاري تدين إلى موقعها الجغرافي المتميز على طريق من أقدم الطرق التجارية في العالم وهناك عدة مواقع تاريخية عاشت فترات ازدهار عظيمة عبر العصور، فمنذ خمسة آلاف سنة كان النحاس يستخرج من بلاد مجان، وهو الاسم الذي أطلقه السومريون على عمان . لقد صعدت إلى قمم الجبال بطائرة الهيلوكبتر وبالسيارة وسيرا بالقدمين وجلت في بطون الأودية والصحارى القاحلة وكثبان الرمال الذهبية في بدية التي أصبحت مقصدا للسياح من جميع بقاع الأرض وشاهدت البرك المائية الجميلة في وادي بني خالد ومواقع أخرى عديدة ومئات القرى والبساتين التي تشرح النفس والحقول الخضراء المنبسطة في مواقع مختلفة واستمتعت بالشواطئ الخلابة في محافظات الوسطى ومسقط والباطنة وظفار، وراقبت السحب وهي تتشكل وتجتمع وتتكاثف وخبرت ألوانها وطبقاتها وأشكالها وموقع سقوط أمطارها، واستمتعت كثيرا بصوت الرعد ومنظر البرق وانهمار الغيث، وتتبعت الأمطار وهي تروي الأرض العطشى فتجري شلالات وجداول وأنهارا في بطون الأودية، فتزدان الجبال والأشجار والحقول والمدرجات الخضراء بألوان قزحية صافية نقية تبهر الناظر العاشق للطبيعة وتلتقي مياه الأودية الهادرة وهي تحمل في جوفها أطنانا من الأتربة وجذوع الأشجار والمخلفات التي تجدها في طريقها بمياه البحر فتحتضنها الشواطئ ويتعانق البحران (هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ) في لحظات تتشكل فيها عشرات المناظر البديعة والفجائية التي تستحق المشاهدة والمتابعة والتدبر والتفكر، لحظات تتنافس فيها عيون الكاميرا وتتبارى وتترقب أنامل المبدعين والمحترفين لالتقاط أفضل المشاهد ونشرها في وسائل التواصل فتبهر العالم بعمان . ولم تخل تلك الزيارات من مخاطر ومواقف وأحداث ممتعة تستحق أن تسجل وتوثق متى ما توفرت الفرصة. في القرية العمانية وجدت الكرم الحاتمي والسماحة والخلق الرفيع والطيبة والنبل الإنساني في أفضل صوره، أعجبت بتمسك المواطن بقيمه وإرث آبائه وتواصله مع أبناء مجتمعه وحضوره لجميع المناسبات من منطلق ايمانه الشديد بالمشاركة الإيجابية وأداء الواجب وقدرته على سرد أحداث الماضي بلغة تشد المستمع وتطربه وارتباطه بعقيدته وحرصه على أداء الشعائر الدينية في المسجد وروح التسامح والتعايش التي تأسست عليها ثقافته وسلوكه. هذه هي عمان كما وصفها الرحالة والمستكشفون والمؤرخون والكتاب والسياح وكل من زارها وشرب من ماء أفلاجها وأكل من رطب نخيلها ... وأنا أعتذر أشد الاعتذار أنني لم أفرد مقالات مستقلة لمناطق ومواقع وولايات وقرى تستحق ذلك بل - أكثر من ذلك - هي ليست بأقل مستوى ارثا وتاريخا ومقومات سياحية عن تلكم التي خصصت له مساحة من هذه السلسلة، ولكن خوفا من أن يشعر القارئ بالملل، ومن أن تتمدد وتتعدد الحلقات أكثر من ذلك فيتكرر استخدام المصطلحات ووصف الأمكنة مع تشابهها حتى في أدق التفاصيل أحيانا في بعض المواقع والولايات القريبة والمتشابهة، إلى جانب ذلك فإن غاية هذه المقالات وهدفها تقديم نماذج وأمثلة على المقومات السياحية التي تمتلكها مناطق ومحافظات وولايات السلطنة وأعتقد بأن ما تم نشره حقق الغرض وكشف عن الحقيقة وأبان عن تلكم المقومات ... وعلى ضوء تلك الزيارات وما كتبته في المقالات السابقة أقولها بكل صدق إن عمان دولة سياحية بامتياز وتنفرد بمقومات كثيرة لا حصر لها وتنوع قلما نجد مثله في الكثير من دول العالم التي نجحت في هذا المجال، وفي بلد يعتمد اقتصاده على النفط ومع انخفاض أسعاره وما يحيط به من مخاطر يجب الالتفات إلى قطاع السياحة الواعد وتشجيع الاستثمار الخارجي والداخلي وتوجيه الأموال لدراسة وتنمية القطاع السياحي بمختلف صوره وتعزيز البنية التحتية التي تخدم هذا القطاع وتوفير الخدمات الحديثة للسائح ... وما حدث ايام إجازة العيد الوطني الخامس والأربعين وتكرر في إجازة العيد السادس والأربعين نكأ الجراح ووضعنا أمام الحقيقة المرة التي يعيشها قطاع السياحة من نقص حاد في الخدمات السياحية والمشاريع الترفيهية . ومع ذلك كنا ندرك أن السلطنة تتميز بمقومات سياحية متنوعة قل مثيلها في المنطقة ولكنها مقومات غير مستغلة وغير مستثمرة فالسياحة صناعة وفن ورؤية تقوم على خدمات عصرية ووسائل وأدوات حديثة وبنية تحتية قوية ومهيأة لاستقبال السائح واغرائه وتشجيعه وجذب المواطن والمقيم وامتاعه وصرفه عن قضاء عطله في الخارج ما دام ما يبحث عنه متوفر في الداخل ...اليوم ندرك على أرض الواقع لماذا لم تتمكن قطاعاتنا الأخرى بما فيها السياحة من تحقيق أهداف حقيقية وأرقام مرضية في دعم الاقتصاد الوطني وتنمية المصادر البديلة عن النفط ...أودية وأفلاج وقرى وواحات وجبال وشواطئ ورمال وصحارى ومدن ومعالم وحارات وقلاع وحصون ....الخ لم نتمكن من الاستثمار فيها بما يرضي الطموح ويحقق التطلعات وتهيئتها بالخدمات التي تحتاجها وترميمها وتنظيم الفعاليات الجاذبة ... في العديد من الفعاليات التي تحتضنها بعض المراكز التجارية نرى ونتابع ما يحدث وكيف تتحول إلى ازدحام واختناق وإغلاق للطرق ما يؤكد على أن الناس يفتقدون الأماكن والمواقع والخدمات السياحية والترفيهية ويبحثون عن أية فرصة أو دعاية أو فعالية وان كانت بمستوى ضعيف ... ضعف الخدمات السياحية - ارتفاع أسعار الفنادق والاستراحات بشكل خيالي ما يؤكد أن العرض أقل بكثير من الطلب أو أنه لا يتناسب مع امكانات شرائح وفئات بعينها - غياب الحدائق والمواقع الترفيهية - عدم استثمار المواقع السياحية التي تزخر بها عمان - مردود السياحة ما يزال غير مرضي بعد مضي أكثر من أربعين عاما ... جميعها تحتاج إلى وقفة ورؤية وتقييم وقرارات حاسمة وجريئة، على الجهات المختصة والقطاعات الأخرى بما فيها القطاع الخاص والاغنياء والمجتمع كل فيما يخصه العمل سريعا لتغيير هذا الواقع .. ما تتضمنه هذه المقالات من امكانيات سياحية متنوعة وخدمات ومرافق في المقابل متواضعة للغاية وبحث المواطن عما يلبي رغباته وتطلعاته الترفيهية في الاجازات خارج السلطنة تشكل في مجملها اختبارا حقيقيا ودرسا لا ينبغي تجاوزه باي حال من الأحوال خاصة ونحن نعيش مرحلة حساسة مرحلة انهيار أسعار النفط والأزمة الاقتصادية القاتمة، وهنا يجب توجيه الاستثمار والمشاريع الحكومية إلى القطاع السياحي وفق رؤية عصرية مدروسة لتوفير فرص للباحثين ودعم الاقتصاد الوطني وابراز الارث الحضاري والتاريخي والثقافي لحضارة العمانيين واسهاماتهم والمقومات السياحية التي تتمتع بها عمان.

[email protected]