” جيد هو المال بقدر ما يخدم ولكنه إذا اتخذ موقع السيد فالويل لمقتنيه من العبودية الذين ظنوا أن السعادة في كثرة المال والاستغناء بكثرة الكنوز، فأسهروا ليلهم وأتعبوا نهارهم إلى أن يدركهم الموت، فيموتون أغنياء بما لدنياهم، فقراء إلى رحمة ربهم ومن ثم يظفر بالمال من يأكله في الشهوات واللذات، فيكون الجامع تعبه وللآكل لذته، وقد قال علي بن أبي طالب (ع) "ولا تجمع من المال فلا تدري لمن تجمع ". ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صكوك النقود وجدت كفكرة إبداعية لتسهيل حياة الفرد في البيع والشراء، وتطورت تلك العملية على مرّ التاريخ، وأصبح لكل دولة عملتها الخاصة تميزها عن غيرها من الدول، وتستخدمها البشرية في شراء وتلبية الاحتياجات الضروريّة في الحياة، حيث إن المال هو عصب الحياة الاقتصاديّة قديماً وحديثاً وهو حيادي، وقيمته موقوفة على طريقة كسبه وإنفاقه، وهو نعمة ونقمة وسلم يرتقي به الفرد أو يهوي بها.
لا يوجد دين يمنع أوينهي عن جمع المال من الحلال فالفرد لايستطيع العيش بدونه باعتباره من مقومات الحياة، وهو ليس نقمة بل هو نعمة، ولكن طريقة تفكير البشر ونظرتهم إلى المال وطريقة الحصول عليه وإنفاقه هي التي تصنفه ما إذا كان نعمة أو نقمة.
فهناك أشخاص لا يملأ عينهم إلا التراب، ولا تكفيهم أموالهم وممتلكاتهم وما رزقوا به، بل ينظرون إلى ممتلكات غيرهم، ويبحثون عن أي مدخل للاستيلاء على ما لاحق لهم به، سواء كانت بالطرق القانونية أو بالاحتيال، بل قد يصل ببعضهم الأمر إلى الحرص على أموال ما قد يرثونه عندما يتوفى أحد أقاربهم الذي لم توافه المنية بعد، بل ويطلبون من صاحبها أن يقلل من مصروفاته وصدقاته، لأنهم يرون أن هذه الأموال ستذهب إليهم بعد وفاة صاحب المال متناسين أنه قد يتوفى الوارث قبل الموروث.
إن شهوة حب المال أعمت عيون غالب الخلق وصارت غاية قصدهم لها يطلبون وبها يرضون ومن أجلها يغضبون وبسببها يوالون وعليها يعادون، وكم قُطِعت أرحام في سبيلها ووقعت فواحش من أجلها، وتعادى الأصحاب والخلان، ظناً منهم أنهم امتلكوا المال الذي بدوره امتلكهم لأنهم طَمِعوا به وصاروا عبيداً له.
لقد أصبح جمع المال مرضاً مزمناً وعضالاً عند الكثيرين الذين تحولوا عبيدا له حيث يجمعونه من كل وجه وبأية وسيلة، وقد كتب الدكتور مصطفى محمود في كتابه (المسيخ الدجال): " العالم أصبح مسرحاً مجنوناً يهرول فيه المجانين في اتجاه واحد نحو القوة المادية ... المسيخ الدجال الأعور ذو العين الواحدة أصبح معبود هذا الزمان ... لا إله إلا المادة ... هذه هي الصلاة اليومية ... إختفى الإيمان بالله. إختفى معه الإحساس بالأمن والسكينة والطمأنينة وأصبحت الصورة الفلسفية للعالم هي غابة يتصارع فيها المخلب والناب ... صراع طبقي وصراع عنصري وصراع عقائدي .. وعالم فظيع من الخوف والقتل".
جيد هو المال بقدر ما يخدم ولكنه إذا اتخذ موقع السيد فالويل لمقتنيه من العبودية الذين ظنوا أن السعادة في كثرة المال والإستغناء بكثرة الكنوز، فأسهروا ليلهم وأتعبوا نهارهم إلى أن يدركهم الموت، فيموتون أغنياء بما لدنياهم، فقراء إلى رحمة ربهم ومن ثم يظفر بالمال من يأكله في الشهوات واللذات، فيكون الجامع تعبه وللآكل لذته، وقد قال علي بن أبي طالب (ع) "ولا تجمع من المال فلا تدري لمن تجمع ".
الطمع في المال هو الشهوة في المزيد منه دون الحاجة إليه، لتغيب معه الإنسانية والضمير هذا الغني الغبي الذي يظن أن مستقبله أصبح مضموناً مأموناً جاهلاً في غده فاقداً كرامته عندما يحتال ليكمل رفاهيته أو يعيش فى بحبوحة أكثر على حساب آخرين، متناسياً أن الموت آت لا محالة وما يحتال به على الآخرين وعلى ما من
حق لهم فيه هذا الحق الذي يبقى أمانة في ذمة مالك المال الذي كنز ما لا حق له فيه.

سهيله غلوم حسين
كاتبة كويتية
[email protected] انستقرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1